والثاني: - وهو الجديد - أن العم للأب والأم أَوْلَى، وَهَكَذَا بَنُو هَذَيْنِ الْعَمَّيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَإِنِ اخْتَلَفَ الدَّرَجُ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ، وَإِنْ كَانَ لِأَبٍ فَيَكُونُ الْعَمُّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنَ ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي أَعْمَامِ الآباء والأجداد وبنيهم.
فَصْلٌ
وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَبْنَاءُ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَفِيهَا قَوْلَانِ كَالْأَخِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ مِنَ الْأَبِ.
فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُمَا سَوَاءٌ كَانَ أَبْنَاءُ الْعَمِّ سَوَاءً، وَإِنْ كَانَ أحدهما أخاً لأم.
وإن قِيلَ: إِنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى كَانَ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ أَوْلَى لِفَضْلِ إِدْلَائِهِ بِالْأُمِّ، فَأَمَّا الْعَمَّانِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا خَالًا فَهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ الْخَالَ لَا يَرِثُ فَلَمْ يَتَرَجَّحْ بِهِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ - والله أعلم -.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَا يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ ابْنُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَصَبَةً لَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا وِلَايَةَ لِلِابْنِ عَلَى أُمِّهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِالْبُنُوَّةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة، وَصَاحِبُهُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْتِيبِهِ مَعَ الْأَبِ.
فَقَالَ مَالِكٌ، وأبو يوسف، وَإِسْحَاقُ: الِابْنُ أَوْلَى بِنِكَاحِهَا مِنَ الْأَبِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ومحمد بن الحسن: الْأَبُ أَوْلَى ثُمَّ الِابْنُ وَقَالَ أبو حنيفة: هُمَا سَوَاءٌ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَهَا جَازَ.
وَاسْتَدَلُّوا جَمِيعًا عَلَى ثُبُوتِ وِلَايَةِ الِابْنِ عَلَيْهَا: بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي وَلِيٌّ حَاضِرٌ، فَقَالَ مَا لك ولي حاضر ولا غائب لا يرضاني. ثُمَّ قَالَ لِابْنِهَا عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: " قم يا غلام فزوج أمك " فهذا نص.
قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ زَوَّجَ أُمَّهُ أُمَّ سُلَيْمٍ مِنِ عَمِّهِ أَبِي طَلْحَةَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِأَنَّ ابْنَ الْمَرْأَةِ عَصَبَةٌ لَهَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِي نِكَاحِهَا كَالْأَبِ، وَلِأَنَّ تَعْصِيبَ الابن أقوى من تعصيب الأب، لأنهما إن اجْتَمَعَا سَقَطَ بِالِابْنِ تَعْصِيبُ الْأَبِ، وَصَارَ مَعَهُ ذَا فَرْضٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِتَزْوِيجِهَا مِنَ الْأَبِ وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ إِنَّمَا يُرَادُ لِحِفْظِ الْمَنْكُوحَةِ مِنْ تَزْوِيجِ مَنْ لَا يُكَافِئُهَا فَيَدْخُلُ العار على أهلها والابن رافع لِلْعَارِ عَنْهَا وَعَنْ نَفْسِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ لِكَثْرَةِ أَنَفَتِهِ وَعِظَمِ حَمِيَّتِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِنِكَاحِهَا.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ كُلَّ نَسَبٍ لَا يَمْلِكُ به أو المنتسب الولاية لم يملك به المنتسب بالولاية كالأخ من الأم طرداً أو كالأخ مِنَ الْأَبِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ ذِي نَسَبٍ أَدْلَى بِمَنْ لَا يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ عَلَى النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ كَابْنِ الْأُخْتِ طَرْدًا، وَكَابْنِ الْأَخِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا نَسَبٌ لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا وِلَايَةُ النَّسَبَ كَالِابْنِ مِنَ الرَّضَاعِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالِابْنُ مُنَاسِبٌ وَالْمُرْتَضِعُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ قِيلَ الِابْنُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لأمه، لأنه يرجع