أَحَدُهُمَا: مَا نَقَلَهُ الشَّرْعُ بِالشَّكِّ الطَّارِئِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ الْأَجِيرُ ثُمَّ يَشُكَّ فَلَا يَعْلَمَ هَلْ أَحْرَمَ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمْ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ يَنْصَرِفُ بِالشَّرْعِ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ إِلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي إِحْرَامًا يُسْقِطُ الْفَرْضَ والشك لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ فَلِذَلِكَ مَا انْصَرَفَ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ إِلَى الْأَجِيرِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ تَيَقَّنَ الْأَجِيرُ بَعْدَ شَكِّهِ إِنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ من مستأجره لم يخل حاله من أحل أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ ذَلِكَ بَعْدَ فِعْلِ شيء أَوْ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْكَانِ فَإِنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ بَعْدَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْكَانِ كَانَ الْحَجُّ وَاقِعًا عَنْهُ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْكَانِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِلْأَجِيرِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْيَقِينِ يَرْفَعُ حُكْمَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الشَّكِّ فَلَمْ يَكُنْ له تأثير ولا يعقبه فِعْلٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَنِ الْأَجِيرِ وَلَا يَكُونَ حُدُوثُ الْيَقِينِ الرَّافِعِ لِلشَّكِّ نَاقِلًا لِلْإِحْرَامِ إِلَى الْمُسْتَأْجَرِ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ مُسَافِرًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَوِ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ فَلَوْ زَالَ الشَّكُّ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ لَمْ يَزُلْ حُكْمُ الْإِتْمَامِ كَذَلِكَ الْحَجُّ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا نَقَلَهُ الشَّرْعُ بِالتَّشْرِيكِ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّ النُّسُكَ الْوَاحِدَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَنْ شَخْصَيْنِ وَكَذَلِكَ لَوِ اسْتَأْجَرَهُ أَحَدُهُمَا لِحَجٍّ وَاسْتَأْجَرَهُ الْآخَرُ لِعُمْرَةٍ فَأَحْرَمَ قَارِنًا يَنْوِي بِالْحَجِّ أَحَدَهُمَا وَبِالْعُمْرَةِ الْآخَرَ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَوَقَعَا مَعًا عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْقِرَانِ حُكْمُ النُّسُكِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ النُّسُكُ الْوَاحِدُ عَنْ شَخْصَيْنِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْقِرَانُ عَنْ شَخْصَيْنِ، فَلَوِ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَأَحْرَمَ عَنْهُ بِحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ عُمْرَةً فَصَارَ قَارِنًا عَلَى أحد القولين أو أحرم من غيره بعمرة ثم أدخل عليه لِنَفْسِهِ حَجًّا قَارِنًا قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يَقَعَانِ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ مُسْتَأْجِرِهِ؛ لِأَنَّ مُدْخِلَ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَالْمُحْرِمِ بِهِمَا معاً والله أعلم.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " فإن أفسد حجه أفسد إجارته وعليه لِمَا أَفْسَدَ عَنْ نَفْسِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا أَفْسَدَ الْأَجِيرُ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ. صَارَتِ الْحَجَّةُ عَلَى الْأَجِيرِ دُونَ مُسْتَأْجِرِهِ وَلَزِمَهُ إِتْمَامُهَا لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا صَارَتِ الْحَجَّةُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ إِذْنِهِ وَمَا يَقْتَضِيهِ مُوجَبُ عَقْدِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجًّا سَلِيمًا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ إِذْنِهِ صَارَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ إِذَا وُكِّلَ فِي ابْتِيَاعِ شَيْءٍ فَخَالَفَ مُوَكِّلَهُ فِي الصِّفَةِ الَّتِي أَمَرَهُ صَارَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ كذلك الحج.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute