وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ مَقْصُودُهُ التَّنْبِيهَ عَلَى الْمَعْنَى لِيَفْهَمَ اللَّفْظَ عَلَى صِيغَتِهِ؛ لِأَنَّنَا أَجْمَعْنَا أَنَّ إِبْدَالَهُ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ لَا يَجُوزُ
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِجَوَازِ الذِّكْرِ بِالْفَارِسِيَّةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، إِذْ لَيْسَ فِي سَائِرِ الْأَذْكَارِ إِعْجَازٌ يَزُولُ بِنَقْلِهِ إِلَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ أَنَّ مَعْنَى الْقُرْآنِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَأَوْلَى مِنَ التَّسْبِيحِ، وَالتَّكْبِيرِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقْلَبَ عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ لَهُمُ التَّسْبِيحُ بِالْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ أَقْرَبُ إِلَى الْقُرْآنِ مِنَ الْكَلَامِ الْعَجَمِيِّ
وَالثَّانِي: يُقَالُ نَحْنُ لَمْ نَجْعَلِ التَّسْبِيحَ بَدَلًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا أَسْقَطْنَا بِهِ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ في الصلاة للعجز عنها
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ابْتَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ قَائِمًا فَكَانَ فِيهِ وَهُوَ يَهْوِي رَاكِعًا "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الرُّكُوعُ فَهُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ تعالى بالطاعة، ومنه قول الشاعر:
(بكسر لهم وَاسْتَغَاثَ بِهَا ... مِنَ الْهُزَالِ أَبُوهَا بَعْدَمَا رَكَعَا)
يَعْنِي: بَعْدَ مَا خَضَعَ مِنْ شِدَّةِ الْجُهْدِ وَالْحَاجَةِ، وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا الْمَفْرُوضَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] وَقَالَ تَعَالَى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: ٢٦] وَرَكَعَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في صلاته وقال: " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ فَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يُكَبِّرُ فِي رُكُوعِهِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَمَا زَالَتْ صَلَاتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ "
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ: كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فَكَبَّرَ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: " وَاللَّهِ إِنِّي أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِرُكُوعِهِ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالتَّكْبِيرِ قَائِمًا، وَيَهْوِيَ فِي رُكُوعِهِ مُكَبِّرًا حَتَّى يَكُونَ آخِرُ تَكْبِيرَةٍ مَعَ أَوَّلِ رُكُوعِهِ لتصل الأذكار بالأذكار