للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنَادٌ لَهُ، أَوْ يَكُونَ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَلَا مِثْلَهُ فَمَنْ قَالَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُجْزِئُ بِالْقُرْآنِ لَا بِغَيْرِهِ وَقَالَ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٥] فَنَفَى عَنْهُ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] وأبو حنيفة يجعله قرآناً فارسياً ويروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلَاثٍ، لِأَنِّي عَرَبِيٌّ، وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ، وَلِأَنَّ لِسَانَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عربي "

وروى عبد الله بن أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يَجْزِينِي قَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِلَّهِ تَعَالَى فَمَا لِي قَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي، فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ [مِنْهُ] : أَنَّهُ لَوْ جَازَ الْعُدُولُ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَى مَعْنَاهُ لَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهِ وَلَمْ يَعْدِلْ بِهِ إِلَى التَّحْمِيدِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَلِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَمْ يَكُنْ فِي جِنْسِهِ إِعْجَازٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنُوبَ مَنَابَ الْقُرْآنِ، كَالشِّعْرِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَبْدَلَ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ بِمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ لَمْ يَجُزْ فَإِذَا أَبْدَلَهُ بِالْكَلَامِ الْعَجَمِيِّ أَوْلَى أَنْ لَا يُجْزِئَهُ

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ هذا لفي الصحف الأولى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: ١٨، ١٩] {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين} [الشعراء: ١٩٦] فهو أنه ليس يراجع إِلَى الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ إِلَّا على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالرِّسَالَةِ

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَإِنْ كَانَ إِنْذَارًا لِلْكَافَّةِ، فَالتَّحْقِيقُ بِهِ إِنَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْفَصَاحَةِ بِاللِّسَانِ دُونَ الْعَجَمِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا عَجَزُوا عَنْ لِسَانِهِمْ كَانَتِ الْعَجَمُ عَنْهُ أَعْجَزَ فَصَارَ إِنْذَارًا لِلْعَرَبِ بِعَجْزِهِمْ، وَإِنْذَارًا لِلْعَجَمِ بِعَجْزِ مَنْ هُوَ أَقْدَرُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الْإِنْذَارَ بِهِ يَكُونُ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَتَأَمُّلِ إِعْجَازِهِ، وَالْعَجَمُ إِذَا أَرَادُوا ذَلِكَ لَتَوَصَّلُوا إِلَيْهِ بِمُعَاطَاةِ الْعَرَبِيَّةِ لِيَتَوَصَّلُوا بِمَعْرِفَتِهَا، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ يَلْزَمُ جَمِيعَ الْعَجَمِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ، لِأَنَّهَا إِنْذَارٌ لَهُمْ قُلْنَا: إِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - معجزة غيره، وأما وله غير مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى نُبُوَّتِهِ، وصدق رسالته، وإن كان عجماً يَفْقَهُونَ الْعَرَبِيَّةَ فَلَا يَلْزَمُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>