إِحْدَاهُمَا: أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا ضَمِنَ. فَإِنْ كَانَ مَا أَدَّاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا ضَمِنَهُ مِثَالُهُ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيُعْطِي بِالْأَلْفِ عَبْدًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ الْأَلْفِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ رَجَعَ بِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرَّمْ غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَكْثَرَ رَجَعَ بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ مَا أَدَّاهُ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَهُ فَلَهُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يُؤَدِّيهِ عَلَى مِثْلِ صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ وَحَالٌ يُؤَدِّيهِ عَلَى مِثْلِ صِفَتِهِ وَدُونَ قَدْرِهِ، وَحَالٌ يُؤَدِّيهِ عَلَى مِثْلِ قَدْرِهِ وَدُونَ صِفَتِهِ، وَحَالٌ يؤديه دون قدره دون صِفَتِهِ.
فَأَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى مِثْلِ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ فَمِثَالُهُ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِيضًا صِحَاحًا فَيُؤَدِّيَ مِثْلَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ بِيضًا صِحَاحًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى مِثْلِ صِفَتِهِ وَدُونَ قَدْرِهِ، فَمِثَالُهُ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِيضًا صِحَاحًا فيؤدي عنها تسعماية درهم بيضا صحاحا فله أن يرجع بتسعماية وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي أَدَّاهُ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي سُومِحَ بِهِ هُوَ إِبْرَاءٌ وَلَيْسَ لِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أُبْرِئُ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْمِائَةِ الَّتِي سُومِحَ بِهَا الضَّامِنُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أُبْرِئَ مِنْهَا وَحْدَهُ كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا إِذَا طُولِبَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبْرَأَ مِنْهَا الضَّامِنَ وَالْمَضْمُونَ عَنْهُ بَرِئَا جَمِيعًا مِنْهَا، وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى مِثْلِ قَدْرِهِ وَدُونَ صِفَتِهِ، فَمِثَالُهُ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِيضًا صِحَاحًا فَيُؤَدِّيَ عَنْهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ سُودًا أَوْ مُنْكَسِرَةً فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ مَا أَدَّى سُودًا أَوْ مُنْكَسِرَةً وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ مَا ضَمِنَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِيضًا صِحَاحًا لِأَنَّهُ سَامَحَ الضَّامِنَ بِهَا فَصَارَ ذَلِكَ كَهِبَةٍ لَهُ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ جَمِيعَ الْمَالِ بِالْإِبْرَاءِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا سَامَحَ بِدُونِ الصِّفَةِ فَأَوْلَى أَلَّا يَرْجِعَ بِهِ وَلَكِنْ لَوْ أَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنَ الضَّامِنِ ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، فَهَلْ لِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الزَّوْجَةِ إِذَا وَهَبَتِ الصَّدَاقَ بَعْدَ قَبْضِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي وَهَبَتْهُ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَأَمَّا الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ دُونَ قَدْرِهِ وَدُونَ صِفَتِهِ فَمِثَالُهُ. أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بيضا صحاحا فيؤدي عنها تسعماية سُودًا أَوْ مُكَسَّرَةً فَنُقْصَانُ الْقَدْرِ لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَأَمَّا نُقْصَانُ الصِّفَةِ فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَرْجِعُ بِمِثْلِ الصِّفَةِ الَّتِي أَدَّاهَا سُودًا أَوْ مُكَسَّرَةً، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَرْجِعُ بِهَا بِيضًا صِحَاحًا.
(فَصْلٌ)
إِذَا ضَمِنَ عَنْهُ كَرَّ حنطة من مسلم فَأَدَّى الضَّامِنُ الْكَرَّ الْحِنْطَةَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمِثْلِهِ، فَلَوْ أَنَّ الضَّامِنَ صَالَحَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ عَلَى الْحِنْطَةِ عَلَى مَالٍ أَوْ عوض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute