للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعْفَرُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ أُنَادِيَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فاتحة الكتاب فما زاد

ودليلنا حيث مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال أم القرآن عوضاً عَنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضٌ

وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنَ الْقِرَاءَةِ لَمْ يَجِبْ فِي الصَّلَاةِ كَسَائِرِ السُّوَرِ

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ سُنَّةٌ ابْتَدَأْنَا " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كل سورة فيقرأ بالسورة في الركعتين الأوليتين، وَهَلْ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَقْرَأَ بِهِمَا فِي الآخرتين؟ عَلَى قَوْلَيْنِ نَذْكُرُهُمَا مِنْ بَعْدُ

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ وَاسْتِحْبَابِ الصورة فلا يجوز أن يقرأ يوسف ومحمد، لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ دُونَ مَنْ يُحْسِنُهَا

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لفي الصحف الأولى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: ١٩٢] وَبِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: ١٩٦] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي صُحُفِهِمْ وَزُبُرِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ بِلُغَتِهِمْ فَبَعْضُهَا عِبْرَانِيٌّ، وَبَعْضُهَا سُرْيَانِيٌّ وقال تعالى: {وأوحي إلي هذا القرآن لا نذركم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ} [الأنعام ١٩] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنْذَارٌ لِلْكَافَّةِ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ، وَلَا يُمْكِنُ إنذار العجم بِلِسَانِهِمْ، وَلَا يَكُونُ نَذِيرٌ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِلُغَتِهِمْ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَتِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِيَصِيرَ نَذِيرًا لِلْكَافَّةِ وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مسعود كان يعلم صبياً: {إن شجرة الزقوم طَعَامُ الأَثِيمِ} [الدخان: ٤٣] فَكَانَ الصَّبِيُّ يَقُولُ: طَعَامُ الْيَتِيمِ فَقَالَ لَهُ: قُلْ طَعَامُ الْفَاجِرِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَعْنَى قَالُوا: وَلِأَنَّ الذِّكْرَ الْمُسْتَحَقَّ فِي الصَّلَاةِ قُرْآنٌ، وَغَيْرُ قُرْآنٍ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَذْكَارِ الَّتِي لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الْقُرْآنِ يُوجِبُ الِانْتِقَالَ إِلَى مِثْلِهِ [فَكَانَ معنى القرآن أقرب إليه من التسبيح والهليل] فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلًا مِنْهُ

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: ٨٨] وَهَذَا الْقَارِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقُرْآنَ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا مُحَالٌ، أَوْ يَكُونَ مِثْلَ الْقُرْآنِ، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>