أحدهما: الْبُلُوغُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ خِطَابٌ يَصِيرُ بِهِ مُمْتَنِعًا.
وَالثَّانِي: الْعَقْلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَمْنَعُ مِنَ الْمَعَاصِي.
وَالثَّالِثُ: الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ ذِلَّةِ الِاسْتِرْقَاقِ وَنَقْصِ الْقَبَائِحِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجْمَ أَكْمَلُ الْحُدُودِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِأَكْمَلِ الزِّنَا.
وَالرَّابِعُ: الْإِصَابَةُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ أَكْمَلُ مَا يَمْنَعُ مِنَ الزِّنَا فَكَانَ شَرْطًا في أكمل حديه، والعقد لا يمنع حَتَّى تُوجَدَ فِيهِ الْإِصَابَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ غَيْرِهِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا كَمُلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةِ وَجَبَ الرَّجْمُ وَلَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِسْلَامُ شَرْطٌ خَامِسٌ مُعْتَبَرٌ فِي الجناية؛ فَإِنْ عُدِمَ سَقَطَ الرَّجْمُ احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصِنٍ) .
وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " دعها عنك فإنها لا تحصنك) .
قال: ولأنها حصانة مِنْ شَرْطِهَا الْحُرِّيَّةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِهَا الْإِسْلَامُ كَالْحَصَانَةِ فِي الْقَذْفِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لَمْ يُرْجَمْ كَالْعَبْدِ.
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَلَا يَرْجُمُ إِلَّا مُحَصَّنًا، فدل على أن الإسلام ليس بشرط فِي حَصَانَةِ الرَّجْمِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا رَجَمَهُمَا بِالتَّوْرَاةِ وَلَمْ يَرْجُمْهُمَا بِشَرِيعَتِهِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ صُورِيَّا، وَقَدْ حَضَرَهُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْيَهُودِ: " أَسْأَلُكُمْ بِاللَّهِ مَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ) قَالَ: الْجَلْدُ وَالتَّحْمِيمُ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ التَّوْرَاةِ لِتُقْرَأَ عَلْيَهُ فَلَمَّا انْتَهَوْا في قِرَاءَتِهَا إِلَى مَوْضِعِ الرَّجْمِ وَضَعَ ابْنُ صُورِيَّا يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّهُ قَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ الرَّجْمِ، فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - برفع يده، فإذا فيه ذكر الرجم يلوح، فَقَالَ لَهُمْ: " مَا حَمَلَكُمْ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ كعب بن صوريا أَجِدُ فِي كِتَابِنَا الرَّجْمَ، وَلَكِنْ كَثُرَ الزِّنَا في أشرافنا فلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute