للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا تقدح فِي الشَّهَادَةِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ.

وَأَمَّا الْمَحْظُورُ فَنَوْعَانِ: كَذِبٌ وَفُحْشٌ.

وَهُمَا جَرْحٌ فِي قَائِلِهِ، فَأَمَّا فِي مُنْشِدِهِ، فَإِنْ حَكَاهُ إِنْكَارًا لَمْ يَكُنْ جَرْحًا، وَإِنْ حَكَاهُ اخْتِيَارًا كَانَ جَرْحًا.

فَإِنْ تَشَبَّبَ فِي شِعْرِهِ وَوَصَفَ امْرَأَةً، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا لَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ، وَإِنْ عَيَّنَهَا قَدْحَ فِي عَدَالَتِهِ.

فَأَمَّا الْمُكْتَسِبُ بِالشِّعْرِ، فَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي إِذَا مَدَحَ ويذم إذا مُنِعَ، فَهُوَ قَدْحٌ فِي عَدَالَتِهِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ.

وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتَضِي إِذَا مَدَحَ وَلَا يَذُمُّ إِذَا مُنِعَ وَتَقَبَّلَ مَا وَصَلَهُ إِلَيْهِ عَفْوًا، فَهُوَ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ.

( [الْقَوْلُ في شهادة الزنا] )

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَجُوزُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْأَنْسَابَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا إِذَا كان عدلا في الزنى وغير الزنى.

وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا أَقْبَلُ شهادته في الزنى وأقبلها في غير الزنى وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ: لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ بِحَالٍ.

اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " ولد الزنى شَرُّ الثَّلَاثَةِ ".

وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زَنْيَةٍ ".

وَإِذَا كَانَ شَرًّا مِنَ الزَّانِي وَمَدْفُوعًا مِنَ الْجَنَّةِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ. فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ.

وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَاخَذَ وَلَدُ الزَّانِي بِذَنْبِ أَبَوَيْهِ. لِأَنَّهُ ظُلْمٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الظُّلْمِ. وَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩] وَلِأَنَّ عَارَ النَّسَبِ رُبَّمَا مَنَعَهُ مِنِ ارْتِكَابِ الْعَارِ، لِئَلَّا يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَ عَارَيْنِ فَصَارَ مَزْجُورًا بِمَعَرَّةِ نَسَبِهِ عَنْ مَعَرَّةِ كَذِبِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ مَعَ ظهور عدالته.

<<  <  ج: ص:  >  >>