للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البقرة: ١١٥] وَلِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ صَحَّ صَلَاةُ الْمُسَايِفِ إِلَيْهَا صَحَّ صَلَاةُ الْمُجْتَهِدِ إِلَيْهَا كَالْقِبْلَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ صَحَّتْ إِلَى الْقِبْلَةِ جَازَ أَنْ تَصِحَّ بِالِاجْتِهَادِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَالْمُسَايِفِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِاجْتِهَادِهِ إِلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَالْيَقِينُ مَوْجُودٌ فِي حُصُولِ الْخَطَأِ فِي إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ، فَلَوْ لَزِمَ الْقَضَاءُ بِيَقِينِ الْخَطَأِ لَلَزِمَهُ إِعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ إِحْدَى صَلَاتَيْنِ لَا يَعْرِفُهَا لَزِمَهُ إِعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ دَلَّ عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ مَعَ يَقِينِ الْخَطَأِ

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْله تعالى: {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: ١٤٤] ، فأمر الله تَعَالَى بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ فَمَنْ تَوَجَّهَ إِلَى غَيْرِهِ فَالْأَمْرُ باقٍ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَا لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ بِالْخَطَأِ، كالطهارة، والوفق ولا تَعْيِينَ الْخَطَأِ فِي الصَّلَاةِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ، كَأَهْلِ مَكَّةَ، وَلِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْقَضَاءِ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ الْإِعَادَةُ، كَالْحَاكِمِ إِذَا خَالَفَ نَصًّا بِاجْتِهَادِهِ

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ فَهُوَ: أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ، أَوْ عَلَى خَطَأِ الْعَيْنِ دُونَ الْجِهَةِ

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مُسْتَقْبَلِ الْقِبْلَةِ فَمُنْتَقَضٌ بِالْمَكِّيِّ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِيهِ صَوَابُ الْجِهَةِ

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُسَايِفِ: فَالْمَعْنَى فِيهِ: إِنَّ عِلْمَ الْمُسَايِفِ بِعُدُولِهِ عَنِ الْقِبْلَةِ لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ، وَعِلْمَ الْمُجْتَهِدِ بِالْعُدُولِ عَنْهَا لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ، وَأَمَّا الْمُصَلِّي إِلَى جِهَتَيْنِ فَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ الْخَطَأُ فِي إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ كَالْحَاكِمِ فَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُ فِي الْحَادِثَةِ فَحَكَمَ فِيهَا بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَمْ يُنْقَضْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْخَطَأَ لَمْ يُتَيَقَّنْ فِي أَحَدِهِمَا، وَلَوْ خَالَفَ نَصًّا نَقَضَ

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى اخْتِيَارِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي سُقُوطِ الْإِعَادَةِ، وَذَكَرَ فُصُولًا خَمْسَةً بَعْضُهَا اسْتِشْهَادًا بِمَذْهَبٍ، وَبَعْضُهَا اسْتِدْلَالًا بِشُبْهَهٍ، فَالْفَصْلُ الأول من أسئلته أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: فِي كِتَابِ " الصِّيَامِ ": وَلَوْ تَأَخَّى الْقِبْلَةَ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ كَمَالِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَخْطَأَ، أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، كَمَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي خَطَأٍ عَرَفَة، فَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ رِوَايَةَ أَنْ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهِيَ لَعَمْرِي أَحَدُ قَوْلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِعَرَفَةَ حَجَّاجًا، لِأَنَّ مَنْ أَخْطَأَ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، أَوْ فِي الثَّامِنِ ثُمَّ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى دَخَلَ فِي الْعَاشِرِ أَنَّ حَجَّهُ مُجْزِئٌ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ فِي الْقِبْلَةِ

قُلْنَا: بَيْنَهُمَا فَرْقَانُ يَمْنَعَانِ مِنْ تَسَاوِي حُكْمِهِمَا أَحَدُ الْفَرْقَيْنِ أَنَّ الْخَطَأَ بِعَرَفَةَ لَا يُؤْمَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>