وَصُورَةُ التَّأْخِيرَيْنِ سَوَاءٌ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ مَعَ التَّأْخِيرِ لِيُمَيِّزَ بَيْنَ تَأْخِيرِ المعصية وغير المعصية، فإذ نَوَى الْجَمْعَ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ قَدَّمَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا أَوَّلًا ثُمَّ الْعَصْرَ بَعْدَهَا وَلَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْنَهُمَا بَلْ يَأْتِي بِالْعَصْرِ عَقِبَ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَطَاوُلٍ وَلَا فَصْلٍ فَإِذَا أَتَى بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَعْنِي تَقْدِيمَ الظُّهْرِ وَقُرْبَ الزَّمَانِ صَحَّ لَهُ الْجَمْعُ وَكَانَ مُؤَدِّيًا لِكِلَا الصَّلَاتَيْنِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْجَمْعِ وَقْتُ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ
وَإِنْ أَخَلَّ بِأَحَدِ الشَّرْطَيْنِ وَهُوَ قُرْبُ الزَّمَانِ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ تَنَفَّلَ أَوْ صَبَرَ زَمَنًا طَوِيلًا ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ لَمْ يَكُنْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَكَانَ قَاضِيًا لِلظُّهْرِ مُؤَدِّيًا لِلْعَصْرِ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا وَالظُّهْرُ قَدْ كَانَ لَهُ تَأْخِيرُهَا، وَإِنْ كَانَ إِخْلَالُهُ بِالشَّرْطِ الْآخَرِ: وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ الْعَصْرَ أَوَّلًا ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَهَا فَلَا يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَيُجْزِئُهُ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا
ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ عُقَيْبَ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ تَطَاوُلٍ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةَ الظُّهْرِ ثُمَّ ذَكَرَهَا وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَجَائِزٌ أَنْ يُقَدِّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ كَأَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ صَبَرَ زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ فَهَذَا عَاصٍ لِتَأْخِيرِ الظُّهْرَ بَعْدَ الْعَصْرِ إِذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْخِيرَهَا إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ، وَيَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ عَلَيْهَا إِذَا تَرَكَ الْجَمْعَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنْ أَخَّرَهَا كَانَ عَاصِيًا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يَكُونُ الْجَوَابُ مِنْ إِخْلَالِهِ بِالشَّرْطَيْنِ مَعًا فَهَذَا الْكَلَامُ فِي تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ إِلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ
(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا إِنْ أَرَادَ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِثَلَاثِ شَرَائِطَ:
أَحَدُهَا: تَقْدِيمُ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوَّلًا ثُمَّ يَفْعَلُ الْعَصْرَ بَعْدَهَا لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلْعَصْرِ لَا فِي الْأَدَاءِ وَلَا فِي الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا تَقْدِيمُ الْعَصْرِ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فِي الْجَمْعِ تَبَعًا لَهَا فَإِنْ قَدَّمَ الْعَصْرَ عَلَى الظُّهْرِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَلَمْ تُجْزِهِ صَلَاةُ الْعَصْرِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْجَمْعِ يَمْنَعُ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْأُولَى مِنْهُمَا
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ هَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَالنِّيَّةُ فِي الْجَمْعِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ قُرْبُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، قَالَ: لِأَنَّ السَّفَرَ يَرْفَعُ نِيَّةَ الْجَمْعِ وَيَقْطَعُ حُكْمَ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ لِتَقْدِيمِ النِّيَّةِ وَجْهًا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ قَالَ: وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مع كونه جبر لِلصَّلَاةِ لَوْ سَهَا عَنِ الْإِتْيَانِ بِهِ قَبْلَ السَّلَامِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ قُرْبَ الْفَصْلِ وَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى تَقْدِيمِ النِّيَّةِ قَبْلَ السَّلَامِ، فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute