للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلُ الْمُدَّةِ من وقت الإيلاء بناءاً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، وَنَحْنُ نَبْنِي عَلَى أَصْلِنَا فِي أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُحَرَّمَةٌ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ مَضْرُوبَةٌ فِي نِكَاحٍ كَامِلٍ فَيُقْصَدُ بِهَا رَفْعُ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهَا وَقَدْ دَخَلَ الضَّرَرُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ حَتَّى مُنِعَتْ بِهَا النِّكَاحَ، فَخَرَجَ هَذَا الْإِيلَاءُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالضَّرَرِ فَلَمْ يُحْتَسَبْ فِي الْمُدَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ مَضْرُوبَةٌ لِيَأْخُذَ بِالْإِصَابَةِ عِنْدَ انْقِضَائِهَا، وَانْقِضَاءُ الْمُدَّةِ فِي الْعِدَّةِ يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِهِ بِالْإِصَابَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَحْسُوبًا مِنَ الْمُدَّةِ.

(فَصْلٌ:)

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَهُوَ أَنْ يُولِيَ مِنْ مُعْتَدَّةٍ فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ، إِمَّا لِأَنَّهُ ثَلَاثٌ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ دُونَهَا بِعِوَضٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ مِنْهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا، وَكَانَ حَالِفًا لَا تَلْزَمُهُ الْمُطَالَبَةُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ بِإِيلَائِهِ مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ الْبَائِنِ مُولِيًا إِذَا نَكَحَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ آلَى مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ثُمَّ نَكَحَهَا كَانَ مُولِيًا، وَهَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِهِ فِي عَقْدِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ.

وَفِيمَا تَقَدَّمَ مَعَهُ مِنَ الدَّلِيِلِ فِي الطَّلَاقِ كَافٍ فِي الْإِيلَاءِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] وليست هذه من نسائه.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَالْإِيلَاءُ مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ وَذِمِّيَةٍ سِوَاءٌ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] وَلَمْ يُفَرِّقْ؛ وَلِأَنَّ مِنْ مَلَكَ الطَّلَاقَ مَلَكَ الْإِيلَاءَ وَالظِّهَارَ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ مَعَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ؛ وَلِأَنَّهُنَّ فِي أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ سَوَاءٌ، فَوَجَبَ أَنْ يكون في الإيلاء سواء والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>