أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِشْكَالِ فِي الرَّامِيَيْنِ فِي التَّقَدُّمِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَأَمَّا مَعَ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ لِلثَّانِي، وَلَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ تَعْلِيلًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّكِّ فِي التَّقَدُّمِ وَالِاجْتِمَاعِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَدْفَعُ هَذَا الْجَوَابَ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ.
وَأَمَّا إِبَاحَتُهُ الْأَكْلَ، فَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ فَحْوَى كَلَامِهِ مِنْ جَعْلِهِ بَيْنَهُمَا دَلِيلًا عَلَى إِبَاحَتِهِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أوجهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إنه مُبَاحُ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِ الِامْتِنَاعِ، فَصَارَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ فِي جَعْلِهِ مِلْكًا لِلثَّانِي، وَلَمْ يَشْتَرِكَا فِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة إِنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَهُ الْأَوَّلُ، فَيَحْرُمَ بِرَمْيِ الثَّانِي، وَيَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَهُ الثَّانِي فَيَحِلَّ، فَصَارَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ حَظْرٌ وَإِبَاحَةٌ، فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَارِبَ بَيْنَ رَمْيَةِ الْأَوَّلِ، وَرَمْيَةِ الثَّانِي حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ تَطَاوَلَ مَا بَيْنَهُمَا حَرُمَ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُدْرَكُ فِي قَرِيبِ الزَّمَانِ، وَتُدْرَكُ فِي طَوِيلِهِ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: إِنْ كَانَتِ الرمية الأولة لَا يَثْبُتُ الصَّيْدُ بِمِثْلِهَا فِي الْغَالِبِ حَلَّ أَكْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ فِي امْتِنَاعِهِ وَإِثْبَاتِهِ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: فَهُوَ أَنْ يَشْكُلَ الْمُتَقَدِّمُ مِنَ الرَّامِيَيْنِ، فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا الْأَوَّلُ وَتَشْكُلَ صِفَةُ الرَّمْيَتَيْنِ، فَلَا يُعْلَمُ بِأَيِّهِمَا ثَبَتَ فَيَجْرِي عَلَيْهِ فِي الْمِلْكِ حُكْمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَيَجْرِي عَلَيْهِ فِي الْأَكْلِ حُكْمُ الضَّرْبِ الثَّانِي، فَيَكُونُ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ أَرْبَعَةُ أوجهٍ.
فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْمِلْكِ بِالتَّقَدُّمِ تَحَالَفَا، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْإِبَاحَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، فَتَحَالَفَا بها، ولا تدل على الزكاة، فَلَمْ يَتَحَالَفَا فِيهَا، وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى مَنِ ادَّعَى تَحْرِيمَهُ، وَيَحِلُّ لِمَنِ ادَّعَى تَحْلِيلَهُ.
فَإِنْ جُعِلَ لِمَنِ ادَّعَى تَحْرِيمَهُ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ دَعْوَى الْإِبَاحَةِ، وَكَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَإِنْ جُعِلَ لِمَنِ ادَّعَى تَحْلِيلَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ دَعْوَى التَّحْرِيمِ، وَكَانَ حَلَالًا كُلُّهُ، وَإِنْ جُعِلَ بَيْنِهِمَا كَانَ لِمُدَّعِي التَّحْلِيلِ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى حَقٍّ مِنْهُ إِلَّا لِلْمُكَذِّبِ لَهُ، وَلَمْ يَجُزْ لِمُدَّعِي التَّحْرِيمِ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى حَقِّهِ مِنْهُ لِمُصَدِّقٍ ولا لمكذب.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ رَمَى طَائِرًا فَجَرَحَهُ ثَمَّ سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ فَأَصَبْنَاهُ مَيْتًا لَمْ نَدْرِ أَمَاتَ فِي الْهَوَاءِ أَمْ بَعْدَ مَا صَارَ إِلَى الْأَرْضِ أُكل لأنه لا