فبطل فعلى هذه الأصول يكون جواب ما تضمنه الموكل فاعتبره بها يتقرر لكل الحكم فيه فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: قَدْ وَكَّلْتُكَ في شراء عَبْدٍ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَصِفَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ لِلْوَكِيلِ مُرَادُهُ فِي الْعَبْدِ مِنْ ذِكْرِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ صِفَتِهِ الْمُسْتَحَقَّةِ فِي السِّلْمِ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ فَلَوْ قال له قد وكلتك في شراء من رأيت من العبيد أو في شراء مَا رَأَيْتَ مِنَ الْخَيْلِ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ الْعَبِيدِ وَالْخَيْلِ وَجَهْلِ الْوَكِيلِ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهَكَذَا لَوْ قَالَ:
بِعْ مَنْ رَأَيْتَ مِنْ عَبِيدِي أَوْ بِعْ مَا رَأَيْتَ مِنْ خَيْلِي، لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْعَدَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَتَمَيَّزَ الْمَبِيعُ وَالْمُشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ بِصِفَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ أَنْ يوكله في شراء عبد أَوْ ثَوْبٍ وَإِنْ لَمْ يُشِرْ إِلَى صِفَاتِهِ اعْتِمَادًا عَلَى رَأْيِ وَكِيلِهِ الْمُوَكَّلِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ عَقْدُ الْوَكَالَةِ وَبَيَانُ الْوَكِيلِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ".
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَبُولُ الْوَكِيلِ فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ زَمَانُ الْعَمَلِ الَّذِي وَكَّلَ فِيهِ فَإِنْ تَعَيَّنَ زَمَانُهُ وَخِيفَ فَوَاتُهُ كَانَ قَبُولُ الْوَكَالَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَرَضَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ عِنْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ صَارَ قَبُولُهَا عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا وَقَبُولُهَا فِيمَا سِوَى هَذَيْنِ عَلَى التَّرَاخِي.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ: قَبُولُ الْوَكَالَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ فَجَرَتْ مَجْرَى سَائِرِ الْعُقُودِ.
وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَكَالَةَ لَهُ إِذْنٌ بِالتَّصَرُّفِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَعْجِيلِ الْقَبُولِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَكَالَةَ نِيَابَةٌ كَالْوَصِيَّةِ ثُمَّ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى التَّرَاخِي وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِمُكَاتَبَةٍ جَازَ لَوْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِحَّةُ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ قَبُولُهُ عَلَى التَّرَاخِي فَكَذَلِكَ فِي الْمُشَافَهَةِ.
فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَقَدْ تَمَّتِ الْوَكَالَةُ سَوَاءٌ أَشَهِدَ الْمُوَكِّلُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَا أَمْ لَا. لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا هِيَ حُجَّةٌ فِي ثُبُوتِ وَكَالَتِهِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا في صحتها.
فلو كَانَ الْوَكِيلُ غَائِبًا فِي وَقْتَ الْوَكَالَةِ، فَشَهِدَ بِوَكَالَتِهِ شَاهِدَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ صَدَّقَهَا جَازَ لَهُ قَبُولُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ بها وليس قبول الحاكم لها بمعنى عَنْ تَصْدِيقِهِ.
وَلَوْ رَدَّهَا الْحَاكِمُ لِمَعْنًى أَوْجَبَ رَدَّ شَهَادَتِهِمَا وَوَقَعَ فِي نَفْسِ الْوَكِيلِ صِدْقُهُمَا جاز له