للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ وَالنَّائِمُ لَيْسَ بِعَاصٍ وَغَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلتَّغْلِيظِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِإِظْهَارِ سُكْرِهِ كَذِبًا وَالنَّائِمُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ.

وَالثَّانِي: إِنْ قَالَ إِنْ كَانَ النَّائِمُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ فَالسَّكْرَانُ لَا يَعْقِلُ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَيْسَ حَدُّ السُّكْرِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَعْقِلُ فَيَصِيرُ مُلْحَقًا بِالنَّائِمِ وَقَدْ حَدَّهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: السَّكْرَانُ مَنْ عَزَبَ عَنْهُ بَعْضُ عَقْلِهِ فَكَانَ مَرَّةً يَعْقِلُ وَمَرَّةً لَا يَعْقِلُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: السَّكْرَانُ مَنْ لَا يَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ وَالسَّمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ وَهَذَا بِعِيدٌ أَنْ يُوجَدَ فِي السُّكْرِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ رِدَاءَهُ مِنْ أَرْدِيَّةِ الْحَيِّ.

قَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَنْ يَخْلِطُ فِي كَلَامِهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْمَذَاهِبُ مُخْتَلِفَةً فِي حَدِّ السَّكْرَانِ وَكَانَ الْمُزَنِيُّ مُخَالِفًا فِيهَا لَمْ يَكُنْ خِلَافُهُ حُجَّةً لَهُ وَإِنْ سَلَّمَ الْحَدَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِأَنَّ بِهِ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ.

وَالثَّالِثُ: أَنِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تقولون} [النساء: ٤٣] فلم يكن [لَهُ] صَلَاةٌ حَتَّى يَعْلَمَهَا وَيُرِيدَهَا كَذَلِكَ لَا طَلَاقَ لَهُ وَلَا ظِهَارَ حَتَّى يَعْلَمَهُ وَيُرِيدَهُ. وَعَنْهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا: فَسَادُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا لِأَنَّهُ جَعَلَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرًا بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ فِيهِمَا [مُخْتَلِفٌ] فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُعْتَبَرًا بِالْآخَرِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِكَمَالِ جَمِيعِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَالطَّلَاقُ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِزَوَالِ جَمِيعِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ، وَالسَّكْرَانُ خَارِجٌ ممن كمل (جميع) عَقْلُهُ وَتَمْيِيزِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَخَارِجٌ مِمَّنْ زَالَ جَمِيعُ عَقْلِهِ وَتَمْيِيزِهِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ طَلَاقُهُ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّنَا نَجْعَلُهَا دَلِيلًا عَلَيْهِ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ لِأَنَّهُ خَاطَبَهُ بِالصَّلَاةِ أَمْرًا بها إذا علم ونهياً عنها إذا جعل عَنْهَا وَالْخِطَابُ عَلَى وَجْهَيْنِ: خِطَابُ مُوَاجَهَةٍ مُخْتَصٌّ بِالْعَقْلِ وَخِطَابُ إِلْزَامٍ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْأَصَاغِرِ وَالْمَجَانِينِ، وَلَا يَخْلُو هَذَا الْخِطَابُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ السُّكْرِ فَهُوَ مُوَاجَهَةٌ وَإِمَّا فِي غَيْرِ حَالِ السُّكْرِ فَهُوَ إِلْزَامٌ وَعَلَى أَيِّهِمَا كَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ لِسُكْرِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَالسُّؤَالُ الرَّابِعُ: قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَمْ نَسْتَتِبْهُ فِي سُكْرِهِ وَلَمْ نَقْتُلْهُ فِيهِ.

قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الظِّهَارِ. وَهَذَا مِنْ أوهى

<<  <  ج: ص:  >  >>