لَهُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي لَمْ يَسْتَحِقَّ الِابْنَانِ إِرْثَهُ مَا أَقَامَا عَلَى الْإِنْكَارِ فَإِنْ رَجَعَا عَنْهُ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِهِ وَرِثَاهُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أُحْلِفَ الِابْنَانِ عَلَى إِنْكَارِ نَسَبِهِ عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْبَتِّ فَإِنْ حَلَفَا فَهُوَ مَدْفُوعُ النَّسَبِ عَنْهُمَا، وَإِنْ نَكَلَا رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ. فَإِنْ حَلَفَ فَيَمِينُهُ عَلَى الْبَتِّ دُونَ الْعِلْمِ لِأَنَّهَا يَمِينُ إِثْبَاتٍ وَثَبَتَ نَسَبُهُ وَاسْتَحَقَّ الْإِرْثَ، وَإِنْ نَكَلَ فَهُوَ مَدْفُوعُ النَّسَبِ عَنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ حَلَفَ وَنَكَلَ الْآخَرُ لَمْ تُرَدَّ يَمِينُهُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا إِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَيَسْتَحِقُّ إِحْلَافَ الْمُنْكِرِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إِجْمَاعًا مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُنْكِرِ نُكُولٌ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَسْتَحِقُّ مُشَارَكَةَ الْمُقِرِّ فِي الْمِيرَاثِ؟
فَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة يَسْتَحِقُّ مُشَارَكَتَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ.
فَقَالَ أبو حنيفة: يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَسْتَحِقُّ ثُلُثَهُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ: أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ مِيرَاثِ الْمُقِرِّ شَيْئًا.
وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ (وَالَّذِي أَحْفَظُ مِنْ قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ) مَنْ تَقَدَّمَ مَالِكًا مِنَ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ عَاصَرَ مَالِكًا فَرَدَّ قَوْلَهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ خَالَفَ مَنْ قَبْلَهُ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ الْمُقَرَّ بِهِ وَارِثًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسَبُهُ ثَابِتًا بِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَضْمَّنَ شَيْئَيْنِ: نَسَبًا وَإِرْثًا. فَإِذَا رَدَّ إِقْرَارَهُ بِالنَّسَبِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يُوجِبْ رَدَّ إِقْرَارِهِ بِالْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَالْأُصُولُ تشهد لِصِحَّتِهِ أَلَا تَرَى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ وَأَنْكَرَ الْعَبْدُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْعَبْدِ بِادِّعَاءِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَأَنْكَرَتْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَلْفِ وَلَزِمَهُ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ أُخْتِي مِنَ الرَّضَاعَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَيْهَا فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ وَلَزِمَهُ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّحْرِيمِ. وَلَوِ ادَّعَى بَيْعَ شِقْصٍ مِنْ دَارٍ عَلَى رَجُلٍ أَنْكَرَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فِي ادِّعَاءِ الثَّمَنِ وَلَزِمَهُ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي تَسْلِيمِ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ.
قَالُوا فَكَانَتْ شَوَاهِدُ الْأُصُولِ تُوجِبُ قِيَاسًا عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنِ اسْتِحْقَاقِهِ الْإِرْثَ مَعَ انْتِفَاءِ النَّسَبِ.