للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأذان مُرَاهِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ، فَإِنْ أَذَّنَ جَازَ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُؤَذِّنًا لِلرِّجَالِ، فَإِنْ أَذَّنَتْ لَمْ يُعْتَدَّ بِأَذَانِهَا وَقَالَ أبو حنيفة: يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرِّجَالِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَذَانِهِ كَالْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " وَأُحِبُّ أَنْ لَا يُجْعَلَ مُؤَذِّنُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا عَدْلًا ثِقَةً " فَفِيهِ ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا ثِقَةً، وَلَيْسَ التَّأْكِيدُ مُتَكَرِّرًا، كَمَا تَقُولُ صِدْقٌ وَبِرٌّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا عَدْلًا إِنْ كَانَ حُرًّا ثِقَةً إِنْ كَانَ عَبْدًا، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَرَادَ إِلَّا عَدْلًا - يَعْنِي - فِي دِينِهِ ثِقَةٌ - يَعْنِي - فِي عِلْمِهِ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ لِإِشْرَافِهِ عَلَى النَّاسِ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لِإِشْرَافِهِ عَلَى عَوْرَاتِ النَّاسِ عِنْدَ صُعُودِ الْمَنَارَةِ.

وَالثَّانِي: لِإِشْرَافِهِ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ، وَرُجُوعِ النَّاسِ إِلَى قَوْلِهِ فِيهَا وَقَدْ أَشَارَ إِلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ فِي الْقَدِيمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَهُمَا جميعا.

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ صَيِّتًا وَأَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ أَرَقَّ لِسَامِعِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صِيِّتًا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: " أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ "؛ وَلِأَنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ وَأَدْعَى لِسَامِعِهِ إِلَى الْحُضُورِ.

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُتَرَسِّلًا بَغَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا يُغَنَّى فِيهِ وَأُحِبُّ الْإِقَامَةَ إِدْرَاجًا مُبِينًا وَكَيْفَ مَا جَاءَ بِهِمَا أَجْزَأَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُؤَذِّنَ مُتَرسِّلًا وَيُقِيمَ إِدْرَاجًا مُبَيِّنًا لِرِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِبِلَالٍ إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذَرْ "، وَلِأَنَّ التَّرَسُّلَ فِي الْأَذَانِ أَبْلَغُ فِي إِعْلَامِ الْأَبَاعِدِ، وَالْإِدْرَاجَ أَعْجَلُ فِي اسْتِفْتَاحِ الْحَاضِرِ فَأَمَّا التَّرَسُّلُ فَهُوَ تَرْكُ الْعَجَلَةِ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>