وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ شَرِيكِهِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ فَيَصِيرُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، دُونَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَإِذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الشَّرِكَةَ انْفَسَخَتْ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهَا وَمَعْنَى قَوْلِنَا إِنَّ الشَّرِكَةَ قَدِ انْفَسَخَتْ بِمَعْنَى أَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ المال المشترك قد تميز؛ لأن تَمْيِيزَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي قَدْرِ حَقِّهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ - كَمَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمُشَاعِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لِلْمَضَارِبِ - إِذَا فُسِخَتْ عَلَيْهِ الْمُضَارَبَةُ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ بَعْدَ الْفَسْخِ فَهَلَّا جَازَ لِلشَّرِيكِ ذَلِكَ. قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنْ حَقَّ الْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ وَذَلِكَ لَا يُعَلَمُ إِلَّا بِالْبَيْعِ فَجَازَ أَنْ يَبِيعَ بَعْدَ الْفَسْخِ لِيَعْلَمَ قَدْرَ حَقِّهِ مِنَ الرِّبْحِ وَالشَّرِيكُ حَقُّهُ فِي عَيْنِ الْمَالِ مَعْلُومٌ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ بَعْدَ الْفَسْخِ.
(فَصْلٌ)
إِذَا كَانَ لِلشَّرِيكَيْنِ بَعْدَ فَسْخِ الشَّرِكَةِ دُيُونٌ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فِي ذِمَمٍ شَتَّى فَاقْتَسَمَ الشَّرِيكَانِ فِي الدُّيُونِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ فِيهَا بَعْضَ الْمُتَعَامِلِينَ لَمْ يَجُزْ وَكَانَتْ قِسْمَةً بَاطِلَةً لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إِنَّمَا تَصِحُّ فِي الْأَعْيَانِ دُونَ الذِّمَمِ وَاخْتَارَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَكُونُ مَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَهُمَا عَلَى أَصْلِ الشَّرِكَةِ فَإِذَا نَقَصَ شَيْءٌ مِنْهُ اقْتَسَمَاهُ إِلَّا أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَحَدَهُمَا بِحَقِّهِ فَيَصِحُّ مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ بِدُيُونِهِ والله أعلم.
[(مسألة)]
قال المزني رضي الله عنه: " وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَتِ الشَّرِكَةُ وَقَاسَمَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ شَرِيكَهُ فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ بَالِغًا رَشِيدًا فَأَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ عَلَى مِثْلِ شَرِكَتِهِ كَأَبِيهِ فَجَائِزٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ انْفَسَخَتِ الشَّرِكَةُ بِمَعْنَى بَطَلَ الْإِذْنُ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَالْوَكَالَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُتَوَفَّى دُيُونٌ وَوَصَايَا أَوْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَا وَصَايَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَا وَصَايَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَارِثِ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَائِزَ الْأَمْرِ أَوْ غَيْرَ جَائِزٍ فَإِنْ كَانَ جَائِزَ الْأَمْرِ بِالْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إِمَّا أَنْ يُقَاسِمَ عَلَيْهَا فَتَمْتَازُ حِصَّتُهُ فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ الْمَالَ مُشْتَرَكًا عَلَى حَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ لِلشَّرِيكِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَإِمَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَأْذَنَ لِلشَّرِيكِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَصِيرُ شَرِيكًا كَمَا كَانَ شَرِيكًا لِمُوَرِّثِهِ فَأَيُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَعَلَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيهِ كَانَ فِيهِ الْحَظُّ أَوْ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ مَنْ جَازَ أَمْرُهُ نَفَذَتْ عُقُودُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَظٌّ لَهُ وَيُخْتَارُ لِهَذَا الْوَارِثِ إِذَا أَحَبَّ الْمَقَامَ عَلَى الشَّرِكَةِ أَنْ يَعْلَمَ قَدْرَ الْمَالِ الَّذِي وَرِثَهُ عَنْ مَيِّتِهِ قَبْلَ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ خَوْفًا مِنْ ظُهُورِ دَيْنٍ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرِكَةِ فَيَعْلَمُ قَدْرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute