للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدْفَعَ مِنْهُ إِلَى الْمَسَاكِينِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَيَأْكُلَ الْبَاقِيَ، وَحَدِيثُ أَوْسٍ على أن اقْتَصَرَ بِهِ عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَى أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ قَدْ رَوَى حَدِيثَ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّهُ دُفِعَ إِلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا.

أَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى كَفَّارَةِ الْأَذَى فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا قَلَّ عَدَدُ الْمَسَاكِينِ فِيهَا جَازَ أَنْ يَزِيدَ قَدْرُ الطَّعَامِ فِيهَا وَلَمَّا كَثُرَ عَدَدُ الْمَسَاكِينِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ جَازَ أَنْ يَقِلَّ قَدْرُ الطَّعَامِ فِيهَا. وَأَمَّا مَالِكٌ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ يُوجِبُ تَقْدِيرَهُ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ تَقْدِيرُ الْإِطْعَامِ بِمُدٍّ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ فَهِيَ الْأَجْنَاسُ الْمُزَكَّاةُ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ الْمُقْتَاتَةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ غَيْرِ الْمُزَكَّاةِ وَإِنَّ كل مُقْتَاتاً إِلَّا الْأَقِطِ فَفِي جَوَازِ إِخْرَاجِهِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَفِي الْكَفَّارَاتِ إِذَا كَانَ قُوتًا لِلْمُزَكِّي وَالْمُكَفِّرِ قَوْلَانِ مَضَيَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أُخْرِجَ مِنْ أَغْلَبِهَا قُوتًا فِي الْكَفَّارَةِ، فَأَمَّا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا، وَإِذَا وَجَبَ أَنْ يُخُرِجَ مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ لِأَنَّ النَّفْعَ بِهِ أَعَمُّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ عَنْ مَالٍ وَبَدَنٍ فَلَمَّا كَانَ مَا وَجَبَ عَنِ الْمَالِ يَخْرُجُ مِنْ غَالِبِ مَالِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا يَخْرُجُ عَنِ الْبَدَنِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَدَنِهِ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ غَالِبُ الْقُوتِ شَعِيرًا فَأَخْرَجَ مَا هُوَ أَغْلَى مِنْهُ كَالتَّمْرِ وَالْبُرِّ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ كَانَ غَالِبُهُ بُرًّا فَأَخْرَجَ مَا هُوَ دُونَ مِنْهُ كَالشَّعِيرِ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُجْزِئُ.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ جُمْلَةَ سِتِّينَ مُدًّا أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ أَخْذَهُمُ الطَّعَامَ يَخْتَلِفُ فَلَا أَدْرِي لَعَلَّ أَحَدَهُمْ يَأْخُذُ أَقَلَّ وَغَيْرَهُ أَكْثَرَ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا سَنَّ مِكْيَلَةَ طَعَامٍ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ كَفَّارَةٍ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَدَفْعُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ حُمِلَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْطِيَهُمْ وَلَا يُمَلِّكَهُمْ إِيَّاهُ بِالسَّوِيَّةِ وَيَقُولُ: خُذُوهُ أَوْ كُلُوهُ فَلَا يُجْزِئُهُ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهُ إِنْ قَالَ خُذُوهُ فَقَدْ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ فَلَا تُحْتَسَبُ الزِّيَادَةُ وَيَأْخُذُ بَعْضُهُمْ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ فَلَا يُجْزِيهِ النُّقْصَانُ، وَإِنْ قَالَ: كُلُوهُ فَمَا مَلَّكَهُمْ وَإِنَّمَا أَبَاحَهُمْ وَالتَّكْفِيرُ يُوجِبُ تَمْلِيكَ الْفُقَرَاءِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُمَلِّكَهُمْ ذَلِكَ وَيُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِيهِ فَيَدْفَعُ إِلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا سِتِّينَ مُدًّا وَيَقُولُ: قَدْ مَلَّكْتُكُمْ هَذَا بَيْنَكُمْ بِالتَّسْوِيَةِ فَاقْتَسِمُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>