للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ)

وَاسْتَدَلَّ النَّخَعِيُّ وَدَاوُدُ عَلَى قَتْلِ السَّيِّدِ بِعَبْدِهِ بِمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " وَمَنْ خَصَا عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ ".

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمَا رِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده أن رَجُلًا قَتَلَ عَبْدَهُ فَجَلَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَمْ يَقُدْهُ بِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، وَهَذَا نَصٌّ وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ جَلْدِهِ وَنَفْيِهِ تَعْزِيرٌ.

فَأَمَّا الْخَبَرُ الْمُسْتَدَلُّ بِهِ فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَرْوِ عَنْ سَمُرَةَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا.

وَقَدْ رَوَى قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ ".

وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ لِئَلَّا يَتَسَرَّعَ النَّاسُ إِلَى قَتْلِ عَبِيدِهِمْ، وَإِمَّا عَلَى مَنْ كَانَ عَبْدُهُ فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يُقَادُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَبْلِ عِتْقِهِ لَا يُقَادُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ فَكَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ بِكُلِّ مَنْ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّقِّ مِنَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَمَنْ رَقَّ بَعْضُهُ، وَإِنْ قَلَّ، فَلَوْ قَتَلَ حُرٌّ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِحُرِّيَّتِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ لِإِسْلَامِهِ، فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَإِذَا قَتَلَ عَبْدٌ نِصْفُهُ حُرٌّ عَبْدًا نِصْفُهُ حُرٌّ قُتِلَ بِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، وَلَوْ كَانَ نِصْفُ الْقَاتِلِ حُرًّا وَثُلُثُ الْمَقْتُولِ حُرًّا لَمْ يُقْتَلْ لِفَضْلِ حُرِّيَّةِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثُ الْقَاتِلِ حُرًّا وَنِصْفُ الْمَقْتُولِ حُرًّا قُتِلَ بِهِ لِفَضْلِ حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ النَّاقِصُ بِالْكَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَا يَجُوزَ أَنْ يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ.

وَلَوْ قَتَلَ حراً عَبْدًا فِي الْحِرَابَةِ كَانَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ بِهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ فِي الْحِرَابَةِ، وَلَوْ جَرَحَ عَبْدٌ حُرٌّ عَبْدًا فَأُعْتِقَ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ حُرًّا فَلَا قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ، وَلَوْ جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا فَأُعْتِقَ الْجَارِحُ وَمَاتَ قُتِلَ بِهِ.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وفيه قيمته وإن بلغت ديات (قال المزني) رحمه الله تعالى وفي إجماعهم أن يده لا تقطع بيد العبد قضاء على أن الحر لا يقتل بالعبد فإذا منع أن يقتص من يده وهي أقل لفضل الحرية على العبودية كانت النفس أعظم وهي أن تقتص بنفس العبد أبعد ".

<<  <  ج: ص:  >  >>