للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاحِدَةٍ؛ وَإِنْ خَالَفْتُمُونَا فِيهِ وَنَقْتُلُ الصَّحِيحَ بِالْمَرِيضِ كَمَا نَقْطَعُ الْيَدَ الصَّحِيحَةَ بِالْعَلِيلَةِ، وَلَا نَقْطَعُهَا بِالْيَدِ الشَّلَّاءِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْحَيُّ بِالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الشَّلَّاءَ مَيِّتَةٌ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ قَطْعِ الشَّلَّاءِ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ فِيهِمَا، وَبَيْنَ اسْتِهْلَاكِ الْمَيِّتِ فِي سُقُوطِ الْأَرْشِ فِيهِ.

قِيلَ: لِأَنَّ الشَّلَّاءَ مُتَّصِلَةٌ بِحَيٍّ، وَفِيهَا جَمَالٌ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ الْأَرْشُ بِقَطْعِهَا مَعَ مَوْتِهَا؛ كَمَا يَجِبُ فِي الشَّعْرِ مَعَ كَوْنِهِ عِنْدَكُمْ مَيِّتًا، وَلِأَنَّ الرِّقَّ حَادِثٌ عَنِ الْكُفْرِ فَلَمَّا سَقَطَ بِهِ الْقَوَدُ عَنِ الْمُسْلِمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا حَدَثَ فِيهِ مِنَ الرِّقِّ بِمَثَابَتِهِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ عَنِ الْحُرِّ وَلِأَنَّ النَّقْصَ بِالرِّقِّ يَمْنَعُ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْقَوَدِ عَلَى الْحُرِّ كَالسَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْقَوَدُ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَغْلَظُ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ نَفْسًا وَأَطْرَافًا فَلَمَّا خَرَجَ الْعَبِيدُ مِنْ حُكْمِ الْأَطْرَافِ خَرَجُوا مِنْ حُكْمِ النُّفُوسِ.

وَأَمَّا الْخَبَرُ فَقَدْ قَالَ فِيهِ " وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ " يُرِيدُ بِهِ الْعَبِيدَ، وَمَنْ كَانَ أَدْنَاهُمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَعْلَى.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحُرِّ، فَالْمَعْنَى فِيهِ جَرَيَانُ الْقَوَدِ فِي الْأَطْرَافِ فَجَرَى فِي النُّفُوسِ وَلَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، فَلَمْ يَجْرِ فِي النُّفُوسِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ تَعْلِيلِهِمْ بِتَأْثِيرِ الْحَجْرِ كَالْجُنُونِ وَالصِّغَرِ، وَقَدْ مَضَى الْجَوَابُ عَنْ جَمْعِهِمْ بَيْنَ قَتْلِ الدَّفْعِ وَقَتْلِ الْقَوَدِ، وَلَيْسَ لِمَا تَنَاكَرَتْهُ الْعَامَّةُ، وَنَفَرَتْ مِنْهُ الخاصة مساغاً فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ.

حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ خُرَاسَانَ سُئِلَ فِي مَجْلِسِ أَمِيرِهَا عَنْ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ فَمَنَعَ مِنْهُ وَطُولِبَ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: أُقَدِّمُ قَبْلَ الدَّلِيلِ حِكَايَةً إِنِ احْتَجْتُ بَعْدَهَا إِلَى دَلِيلٍ فَعَلْتُ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أَيَّامَ تَفَقُّهِي بِبَغْدَادَ نَائِمًا ذَاتَ لَيْلَةٍ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ فَسَمِعْتُ مَلَّاحًا يَتَرَنَّمُ وَهُوَ يَقُولُ:

(خُذُوا بِدَمِي هَذَا الْغُلَامَ فَإِنَّهُ رَمَانِي ... بِسَهْمَيْ مُقْلَتَيْهِ عَلَى عَمْدِ)

(وَلَا تَقْتُلُوهُ إِنِّي أَنَا عَبْدُهُ ... وَلَمْ أَرَ حُرًّا قَطُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ)

وما انتشر في العامة تناكره حَتَّى نَظَمُوهُ شِعْرًا، وَجَعَلُوهُ فِي الْأَمْثَالِ شَاهِدًا كَانَ مِنِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ خَارِجًا فَقَالَ الْأَمِيرُ: حَسْبُكَ فَقَدْ أَغْنَيْتَ عَنْ دَلِيلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>