فَلَوْ تَقَابَضَ الْمُتَصَارِفَانِ مَا تَصَارَفَا عَلَيْهِ فِي مِدَادٍ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ وَلَمْ يَلْزَمْ دَفْعُ جَمِيعِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يَلْزَمُ قَبْضُ جَمِيعِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَسَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ اجْتِمَاعِهِمَا أَوْ قَصَرَتْ.
فَلَوِ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَارَقْنَا عَنْ قَبْضٍ وَقَالَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ وَيَكُونُ الصَّرْفُ بَاطِلًا.
فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ لَوِ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فِي الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا افْتَرَقْنَا عَنْ فَسْخٍ وَقَالَ الْآخَرُ عَنْ إِمْضَاءٍ كَانَ الْقَوْلُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَوْلَ مَنِ ادَّعَى الْإِمْضَاءَ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ فَهَلَّا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقَبْضِ مِثْلَهُ. قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُدَّعِيَ الْفَسْخِ يُنَافِي بِدَعْوَاهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ اللُّزُومُ وَالصِّحَّةُ إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْفَسْخِ فَكَانَ الظَّاهِرُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ مَنِ ادَّعَى الْإِمْضَاءَ دُونَ الْفَسْخِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى الْقَبْضَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ عَلَى أَنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ هُنَاكَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ إِذَا تَصَارَفَا مِائَةَ دِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَقَابَضَا مِنَ الْمِائَةِ خَمْسِينَ دِينَارًا ثُمَّ افْتَرَقَا وَقَدْ بَقِيَ خَمْسُونَ دِينَارًا كَانَ الصَّرْفُ فِي الْخَمْسِينِ الْبَاقِيَةِ بَاطِلًا.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُهُ فِي الْخَمْسِينِ الْمَقْبُوضَةِ قَوْلًا وَاحِدًا لِسَلَامَةِ الْعَقْدِ وَحُدُوثِ الْفَسَادِ فِيمَا بَعْدُ: وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُخْرِجُ الصَّرْفَ فِي الْخَمْسِينَ الْمَقْبُوضَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَلَيْسَ هَذَا التَّخْرِيجُ صَحِيحًا لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ إِذَا جَمَعَ جَائِزًا وَغَيْرَ جَائِزٍ فِي حَالِ الْعَقْدِ.
وَإِذَا صَحَّ الصَّرْفُ فِي الْخَمْسِينِ الْمَقْبُوضَةِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَازِمَةٌ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ فِي الْفَسْخِ لِأَجْلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ افْتِرَاقَهُمَا عَنْ قَبْضِ الْبَعْضِ رِضًا مِنْهُمَا بِإِمْضَاءِ الصَّرْفِ فِيهِ وَفَسْخِهِ فِي بَاقِيهِ. وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُخْرِجُ قَوْلًا ثَانِيًا إِنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَكِلَا التَّخْرِيجَيْنِ فَاسِدٌ وَالتَّعْلِيلُ في فسادهما واحد.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالرِّبَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي النَّقْدِ بِالزِّيَادَةِ وَفِي الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وَالْآخَرُ يَكُونُ فِي الدَّيْنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِأَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْكَلَامِ تَأْوِيلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ الرِّبَا فِي النَّسَاءِ وَأَبَاهُ فِي النَّقْدِ وَقَالَ: وَالرِّبَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: النَّسَاءُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ. وَهُوَ بَيْعُ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ إِلَى أَجَلٍ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَهُوَ بَيْعُ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا فَجُعِلَ كِلَا الْوَجْهَيْنِ رَبًّا وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ فَهَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ قَدْ يَدْخُلُهُ الرِّبَا مِنْ وَجْهَيْنِ: