قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: صُورَتُهَا فِي رَجُلٍ كَانَ عَلَى أَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ قُرُوحٌ فَأَلْصَقَ عَلَيْهَا لُصُوقًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نَزْعِهَا وَالتَّيَمُّمِ عَلَيْهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَيْهَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِيهَا بَدَلًا مِنْ غَسْلِهَا، وَيَغْسِلُ مَا لَا قُرُوحَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْضَائِهِ، فَإِذَا فَعَلَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ السَّلِيمَ قَدْ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ، وَمَوْضِعُ اللُّصُوقِ تَيَمَّمَ مِنْهُ بِالتُّرَابِ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَأَعَادَ يَعْنِي اللُّصُوقَ أَعَادَهَا بَعْدَ تَيَمُّمِهِ لَا أَنَّهُ عَنَى إِعَادَةَ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ صُورَتُهَا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى نَزْعِ اللُّصُوقِ مِنْهَا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّيَمُّمِ فِيهَا فَيُصَلِّيَ مُقْتَصِدًا عَلَى غَسْلِ السَّلِيمِ مِنْ أَعْضَائِهِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ اللُّصُوقِ لَمْ يُطَهِّرْهُ بِالْمَاءِ وَلَا بِالتُّرَابِ، كَالْعَادِمِ لِلْمَاءِ وَالتُّرَابِ مَعًا، فَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إِذَا صَلَّى لِإِخْلَالِهِ بِالطَّهَارَةِ مُبْدِلًا، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَأَعَادَ يَعْنِي الصَّلَاةَ، دُونَ اللُّصُوقِ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَبْعُدُ مِنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ نَزَعَ اللُّصُوقَ، وَمَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِي فَرْضِهِ مَاءً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ نَزْعُ اللُّصُوقِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ نَزْعُ اللُّصُوقِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ فِي مَحَلِّهِ وَلَا عَلَى أَيِّ الصُّورَتَيْنِ كَانَتِ الْمَسْأَلَةٌ فَالْجَوَابُ فِيهَا عَلَى مَا وَصَفْتُ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَزْعِ اللُّصُوقِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ صَاحِبِ الْجَبَائِرِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فَصَارَ لِصَاحِبِ اللُّصُوقِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ذَكَرْنَاهَا وَحَالٌ رَابِعَةٌ لَا تَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ أَقْسَامِهِ فَأَحَدُ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى نَزْعِهَا وَالتَّيَمُّمِ فِيهَا دُونَ الْغَسْلِ، فَيَتَيَمَّمُ فِيهَا وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَحَالٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّيَمُّمِ فِيهَا وَلَا الْغَسْلِ فَيُصَلِّي وَيُعِيدُ، وَحَالٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَزْعِهَا وَإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَيْهَا فَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ.
(مَسْأَلَةٌ: كَيْفِيَّةُ تيمم أصحاب الجبائر)
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولا يعد وبالجبائر مَوْضِعَ الْكَسْرِ، وَلَا يَضَعُهَا إِلَّا عَلَى وضوءٍ كَالْخُفَّيْنِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَالْجَبَائِرُ مَا كَانَتْ عَلَى كَسْرٍ، وَاللُّصُوقُ مَا كَانَتْ عَلَى قُرْحٍ، فَإِذَا انْكَسَرَ عُضْوٌ مِنْ بَدَنِهِ فَاحْتَاجَ إِلَى سَتْرِهِ بِالْجَبَائِرِ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عِنْدَ الطَّهَارَةِ عَلَى حَلِّهَا، وَإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَيْهَا شَدَّهَا كَيْفَ شَاءَ عَلَى طُهْرٍ أَوْ غَيْرِ طُهْرٍ، فَجَاوَزَ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَغَيْرَ مُجَاوِزٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عِنْدَ الطَّهَارَةِ عَلَى حَلِّهَا خَوْفَ التَّلَفِ وَزِيَادَةِ الْمَرَضِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَيَحْتَاجُ عِنْدَ شَدِّ الْجَبَائِرِ إِلَى شَرْطَيْنِ لِيَصِحَّ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا.
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَضَعَهَا إِلَّا عَلَى طُهْرٍ، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْخُفَّيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يَلْبَسَهُمَا عَلَى طُهْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute