للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الِاخْتِيَارِ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا تَجِدُ مِنْ تَقْدِيمِهِ قَبْلَ الْحَاجَةِ بُدًّا.

وَالثَّانِي: يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ عَدَمِ الِاخْتِيَارِ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ مِنْ تَقْدِيمِهِ قبل الحاجة بداً بحال الفعل؛ لأنها لَا تَجِدُ مِنْ فِعْلِهِ بُدًّا، وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَفَتْهُ دَلَّ الْخُلْعُ عَلَى اخْتِيَارِهَا فَمَنَعَهَا طَلَاقُ الْخُلْعِ مِنَ الْمِيرَاثِ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَهَا الْمِيرَاثُ وَإِنِ اخْتَارَتِ الطَّلَاقَ وَسَأَلَتْهُ، وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا تَعَلُّقًا بِأَنَّ تَمَاضُرَ بِنْتَ الإصبغ الكلبية سَأَلَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الطَّلَاقَ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَتْلُ مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ لَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ سُؤَالٍ وَغَيْرِ سُؤَالٍ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ الْمَوْرُوثُ: اقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ لَمْ يَرِثْهُ، كَذَلِكَ الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ لَمَّا كَانَ مُوجِبًا لِلْمِيرَاثِ لَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ سُؤَالٍ وَغَيْرِ سؤال، وهذا فاسد؛ لأنه اسْتِحْقَاقَ الْإِرْثِ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ فِي الإرث فإذا اختارت وسألت زالت التهمة سقط مُوجِبُ الْإِرْثِ، وَلِأَنَّهَا إِذَا سَأَلَتْ وَاخْتَارَتْ، صَارَتِ الْفُرْقَةُ مَنْسُوبَةً إِلَيْهَا فَجَرَى مَجْرَى فَسْخِهَا بِالْعُيُوبِ الَّتِي لَا تُوجِبُ مِيرَاثَهَا وَلَا مِيرَاثَهُ مِنْهَا.

وَأَمَّا تَمَاضُرُ فَكُلُّ مَا أَخَذَتْهُ وَإِنْ سَأَلَتِ الطَّلَاقَ صُلْحًا لَا إِرْثًا، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى سَأَلَتْهُ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا.

وَإِذَا تَأَخَّرَ طَلَاقُهُ عَنْ سُؤَالِهَا لَمْ يَكُنْ جَوَابًا، وَصَارَ طَلَاقًا مُبْتَدَأً، وَقِيلَ إِنَّهَا سَأَلَتْهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَطَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ.

وَأَمَّا الْإِرْثُ فِي الْقَتْلِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِي الْحَظْرِ سَوَاءٌ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ سَوَاءً وَخَالَفَ سُؤَالَ الطَّلَاقِ وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ طَلَقَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْهُ وَحُكْمُ الطَّلَاقِ فِي الإيقاع والإقرار في القياس عندي سواء. وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي ليلى لا ترث المبتوتة قال المزني وقد احتج الشافعي رحمه الله على من قال إذا ادعيا ولداً فمات ورثه كل واحد منهما نصف ابن وإن ماتا ورثهما كمال أب فقال الشافعي الناس يرثون من يورثون فألزمهم تناقض قولهم إذا لم يجعلوا الابن منهما كهما منه في الميراث فكذلك إنما ترث الزوجة الزوج من حيث يرثها فإذا ارتفع المعنى الذي يرثهم به لم ترثه وهذا أصح في القياس وكذا قال عبد الرحمن بن عوف ما قررت من كتاب الله ولا من سنة رسوله وتبعه ابن الزبير) .

<<  <  ج: ص:  >  >>