للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَا فَرْقَ فِي الْجَنِينِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فِي وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهِ، وَقِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَمِنِ الْوَرِقِ إِذَا قُدِّرَتْ دِيَةُ النَّفْسِ وَرِقًا سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمِنِ الْعَيْنِ خَمْسُونَ دِينَارًا، وَذَلِكَ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ.

وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَنِينِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَأَوْجَبَ فِيهِ إِنْ كَانَ ذَكَرًا نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى عُشْرَ دِيَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي الْعِلَّةِ، وَخِلَافُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ كَانَ مُؤَثِّرًا فِي الْجَنِينِ الْمَمْلُوكِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ " وَلَمْ يَسْأَلْ أَذَكَرٌ هُوَ أَوْ أُنْثَى، وَلَوِ افْتَرَقَا لَسَأَلَ وَلَنُقِلَ فَدَلَّ عَلَى اسْتِوَائِهِمَا، لِأَنَّ حَالَ الْجَنِينِ فِي الْأَغْلَبِ مُشْتَبِهَةٌ وَفِي الْحَيِّ ظَاهِرَةٌ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْجَنِينِ حَسْمًا لِلِاخْتِلَافِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَيِّ لِزَوَالِ الِاشْتِبَاهِ كَمَا قَدَّرَ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قَطْعًا للتنازل وَحَسْمًا لِلِاخْتِلَافِ.

(فَصْلٌ)

فَعَلَى هَذَا لَوْ أَلْقَتْ مِنَ الضَّرْبِ ذَكَرًا وَأُنْثَى أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ وَالْآخَرُ حَيٌّ ثُمَّ مَاتَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الذَّكَرَ وَالْحَيُّ هُوَ الْأُنْثَى فَعَلَى الضَّارِبِ غُرَّةٌ فِي الْجَنِينِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي الْحَيِّ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْأُنْثَى وَالْحَيُّ هُوَ الذَّكَرَ فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ فِي الْمَيِّتِ وِدِّيَّةٌ كَامِلَةٌ فِي الْحَيِّ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الضَّارِبُ وَالْمَضْرُوبَةُ فِي الْحَيِّ مِنْهَا، فَقَالَتِ الْمَضْرُوبَةُ هُوَ الذَّكَرُ، وَقَالَ الضَّارِبُ: هُوَ الْأُنْثَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ مَعَ يَمِينِهِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ لِلْمَضْرُوبَةِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ أَنَّ الْحَيَّ مِنْهَا هُوَ الذكر فيحكم به والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَكَذَلِكَ إِنْ أَلْقَتْهُ مِنَ الضَّرْبِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَفِيهِ غُرَّة عَبْد أَوْ أَمَة ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا ضَرَبَهَا فَمَاتَتْ وَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا وَغُرَّةٌ فِي جَنِينِهَا، سَوَاءٌ أَلْقَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ إِنْ أَلْقَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهَا وَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ إِنْ أَلْقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، إِلَّا أَنْ تُلْقِيَهُ حَيًّا فَيَمُوتُ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَتُهُ احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أن انفصاله ميت بَعْدَ مَوْتِهَا مُوجِبٌ لِسُقُوطِ غُرْمِهِ كَمَا لَوْ دِيسَ بَطْنُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يُضَمَنْ إِجْمَاعًا وَهُوَ بِدِيَاسِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ مَخْصُوصٌ بِالْجِنَايَةِ وَقَتْلُهُ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِهَا فَكَانَ بِسُقُوطِ الْغُرْمِ أَحَقَّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْجَنِينَ بِمَنْزِلَةِ أعضائها لأمرين:

<<  <  ج: ص:  >  >>