يُرَاعَى بَعْدَ الدُّهْنِ حَالُهُمْ فِيمَا عَدَاهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ بِاللَّحْمِ عَادَةً اعْتَبَرْتَهَا فِيهِمْ، فَإِنْ كَانُوا يَأْكُلُونَ اللَّحْمَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، أَوْجَبْتَهُ لَهَا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّهُ عُرْفُ مَنْ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ إِلَّا مَرَّةً، وَإِنْ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّتَيْنِ أَوْجَبْتَهُ لَهَا مَرَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالْأُخْرَى فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، لِأَنَّهُ عُرْفُ مَنْ يَأْكُلُهُ مَرَّتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْعِبْرَةُ فِي الْعُرْفِ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ، فَأَمَّا مِقْدَارُ اللَّحْمِ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ فَقَدْ قَدَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِرِطْلٍ وَاحِدٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا الْمِقْدَارُ عَامًّا فِي جَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ عُرْفَ بِلَادِهِ بِالْحِجَازِ وَمِصْرَ، وَأَمَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهَا أَنْ يَتَأَدَّمَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فِي الْيَوْمِ بِأَكْثَرَ مِنْ رِطْلٍ مِنَ اللَّحْمِ فَقَدْرُهُ مُعْتَبَرٌ بِعُرْفِهِمْ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ جَعَلْتُمُ الْحَبَّ مُقَدَّرًا لَا يُعْتَبَرُ بِالْعُرْفِ وَجَعَلْتُمُ الدُّهْنَ وَاللَّحْمَ مُعْتَبَرًا بِالْعُرْفِ قِيلَ، لِأَنَّ الْحَبَّ يُقَدَّرُ بِالشَّرْعِ فَسَقَطَ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِيهِ وَالْأُدْمَ لَمْ يَتَقَدَّرْ إِلَّا بِالْعُرْفِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِيهِ، وَمَا اعْتَبَرْنَاهُ مِنْ عُرْفِ الْأَزْوَاجِ فِي إِدَامِهَا اعْتَبَرْنَا عُرْفَ الْخَدَمِ فِي إِدَامِ خَادِمِهَا.
(الْقَوْلُ فِي أَدَوَاتِ الزِّينَةِ وَالنَّظَافَةِ لِلزَّوْجَةِ)
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُفْرَضُ لَهَا فِي دُهْنٍ وَمُشْطٍ أَقَلُّ مَا يَكْفِيهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِخَادِمِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لَهَا وَقِيلَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ رِطْلُ لحم وذلك المعروف لمثلها ".
قال الماوردي: قَالَ تَسْتَحِقُّ فِي نَفَقَتِهَا عَلَى الزَّوْجِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الدُّهْنِ لِتَرْجِيلِ شَعْرِهَا وَتَدْهِينِ جَسَدِهَا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ، وَإِنَّ مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالَ الزِّينَةِ الَّتِي تَدْعُوهُ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِعُرْفِ بِلَادِهَا، فَمِنْهَا مَا يَدِّهِنُ أَهْلُهُ بِالزَّيْتِ كَالشَّامِ فَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ لَهَا، وَمِنْهَا مَا يَدَّهِنُ أَهْلُهُ بِالشَّيْرَجِ كَالْعِرَاقِ فَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ لَهَا، وَمِنْهَا مَا لَا يَسْتَعْمِلُ أَمْثَالَهَا فِيهِ إِلَّا مَا طُيِّبَ مِنَ الدُّهْنِ بِالْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ، فَتَسْتَحِقُّ فِي دُهْنِهَا مَا كَانَ مُطَيَّبًا فَأَمَّا مِقْدَارُهُ فَمُعْتَبَرٌ بِكِفَايَةِ مِثْلِهَا، وَأَمَّا وَقْتُهُ فَهُوَ كُلُّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: ادَّهِنُوا يَذْهَبُ الْبُؤْسُ عَنْكُمْ، وَالدُّهْنُ فِي الْأُسْبُوعِ يَذْهَبُ بِالْبُؤْسِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمُشْطُ يَعْنِي بِهِ آلَةَ الْمُشْطِ مِنَ الْأَفَاوِيهِ وَالْغِسْلَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ عُرْفِ بِلَادِهِمْ.
فَأَمَّا الكحل فما كان منه للزينة الاثمد فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ لِلدَّوَاءِ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجَةِ كَسَائِرِ الْأَدْوِيَةِ، فَإِنْ قِيلَ فَهِيَ لِلدَّوَاءِ أَحْوَجُ مِنْهَا إِلَى الدُّهْنِ فَكَانَ بِأَنْ يَجِبَ عَلَى الزَّوْجِ أَحَقُّ قِيلَ: لِأَنَّ الدَّوَاءَ مُسْتَعْمَلٌ لِحِفْظِ الْجَسَدِ فَكَانَ عَلَيْهَا، وَالدُّهْنَ مُسْتَعْمَلٌ لِلزِّينَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الزِّينَةَ لَهُ وَحِفْظَ الْجَسَدِ لَهَا، وَجَرْيُ الزَّوْجِ مَجْرَى الْمُكْرَى لَزِمَهُ بِنَاءَ مَا اسْتُهْدِمَ مِنَ الدَّارِ الْمُكْرَاةِ دُونَ مُكْتَرِيهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute