ضَمَانُ الْمُقَدَّرِ بِالْجِنَايَاتِ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ النَّقْصِ أَوْ أَقَلَّ وَفِي السَّيِّدِ ضَمَانُ النَّقْصِ بِالْغَصْبِ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الْمُقَدَّرِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ ضَمِنَهُ الْأَجْنَبِيُّ بِالْغَصْبِ وَالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ ضَمَانُ أَكْثَرِ الْأَرْشَيْنِ مِنَ الْمُقَدَّرِ بِالْجِنَايَةِ أَوِ النَّقْصِ بِالْغَصْبِ.
مِثَالُهُ: أَنْ يَغْصِبَهُ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ يَقْطَعَ يَدَهُ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْقَطْعِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ ضَمِنَهُ الْجَانِي بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَرْشَيْنِ، وَكَانَ الزَّايِدُ عَلَى النَّقْصِ يَخْتَصُّ بِهِ الرَّاهِنُ وَإِنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْقَطْعِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ ضَمِنَهُ الْجَانِي بِالنَّقْصِ ضَمَانَ غَصْبٍ وَلَمْ يَضْمَنْهُ بِالنِّصْفِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ أَكْثَرُ الْأَرْشَيْنِ، وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ رَهْنًا لَا يَخْتَصُّ الرَّاهِنُ بشيء منه والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ بِمَا فِيهِ قِصَاصٌ جَائِزٌ كَالْبَيِّنَةِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. قَدْ مَضَى هَذَا الْفَصْلُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ بِتَمَامِهِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ إِقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ بِالْجِنَايَةِ كَإِقْرَارِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً تُوجِبُ الْمَالَ، كَانَ إِقْرَارُهُ مَرْدُودًا يُتْبَعُ بِهِ إِذَا أُعْتِقَ وَأَيْسَرَ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَقَبَتَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ وَإِقْرَارُ الْمُقِرِّ لَا يَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي إِقْرَارِهِ، لِأَنَّ إِقْرَارَهُ إِضْرَارٌ بِسَيِّدِهِ لِلْخَلَاصِ مِنْ يَدِهِ وَالْمُتَّهَمُ فِي إِقْرَارِهِ مَرْدُودُ الْإِقْرَارِ كَالسَّفِيهِ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَمْدًا تُوجِبُ الْقَوَدَ، كَانَ إقراره نافذا مقبولا وقال زفر بن الهزيل ومحمد بن الحسن وَأَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: إِقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ مَرْدُودٌ كَإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ.
اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي الْخَطَأِ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْعَمْدِ، كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، وَلِأَنَّهُ مُقِرٌّ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ إِقْرَارُهُ كَالْخَطَأِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ بِإِقْرَارِهِ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ يَجِبُ بِإِقْرَارِ الْحُرِّ فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ كَالرِّدَّةِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ فَمُنْتَقَضٌ بِالسَّفِيهِ يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي الْعَمْدِ وَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِي الْخَطَأِ، فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمُوهُ فَالْمَعْنَى فِي الْمَجْنُونِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ