وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْقِيَاسُ تَقْسِيطُهَا عَلَى الرُّؤُوسِ وَالِاسْتِحْسَانِ تَقْسِيطُهَا عَلَى السِّهَامِ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَسَّطَهَا عَلَى الْعَدَدِ، بِأَنَّ عَمَلَ الْقَاسِمِ فِي قَلِيلِ السَّهْمِ أَكْثَرُ مِنْ عَمَلِهِ فِي كَثِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إِذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَسَّمَهَا نِصْفَيْنِ وَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا سُدُسُهَا، وَلِلْآخَرِ بَاقِيهَا قَسَّمَهَا أَسْدَاسًا فَكَانَ فِي حَقِّ الْقَلِيلِ أَكْثَرُ عَمَلًا فَاقْتَضَى إِذَا لَمْ يَزِدْ أَنْ لَا يَنْقُصَ.
وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مُؤَنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ يَجِبُ تَقْسِيطُهَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ دُونَ الْمُلَّاكِ كَنَفَقَاتِ الْبَهَائِمِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَقِلُّ سَهْمُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ حَتَّى يَكُونَ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ؛ فَلَوِ الْتَزَمَ نِصْفَ الْأُجْرَةِ لَجَازَ أَنْ تَسْتَوْعِبَ قِيمَةَ مِلْكِهِ فَتُؤَدِّي إِجَازَةُ مِلْكِهِ بِالْقِسْمَةِ إِلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ بِهَا وَهَذَا مَدْفُوعٌ فِي الْمَعْقُولِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَمَنُ الْمِلْكِ لَوْ بِيعَ مُقَسَّطًا بَيْنَهُمْ عَلَى السِّهَامِ، اقْتَضَى أَنْ تَتَقَسَّطَ أُجْرَةُ قَسْمِهِ عَلَى السِّهَامِ.
وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ عَمَلَ الْقَاسِمِ فِي قَلِيلِ السَّهْمِ أَكْثَرُ، فَفَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمٌ وَلِصَاحِبِ الْبَاقِي خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَعَمَلُهُ فِي الْخَمْسَةِ أَسْهُمٍ أَكْثَرُ مِنْ عَمَلِهِ فِي السَّهْمِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَذْرَعَ الْجَمِيعَ فَيَعْرِفَ مِسَاحَتَهُ.
وَقَوْلُهُمْ إِنَّ كَثْرَةَ الْعَمَلِ لِقِلَّةِ سَهْمِ الْآخَرِ خَطَأٌ بَلْ هُوَ لِكَثْرَةِ سَهْمِ شَرِيكِهِ فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ.
[(فصل: [حكم القسمة إذا كان بين المقتسمين صغير أو مجنون] ) .]
فَإِنْ كَانَ فِي الشُّرَكَاءِ الْمُقْتَسِمِينَ مُوَلًّى عَلَيْهِ بِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ فَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِقِسْمَةِ سَهْمِهِ أُلْزِمَ مِنْ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ بِقِسْطِهِ.
وَإِنْ كَانَ يَسْتَضِرُّ بِهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِقِسْمَتِهَا وَلَمْ يكن الْمَنْعُ مِنْهَا لِانْتِفَاعِ بَاقِي الشُّرَكَاءِ بِهَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ أَحْمِلَ عليه شيئا وهو ممن لا رضى لَهُ شَيْءٌ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْقِسْمَةِ أَوِ الْأُجْرَةِ؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَشَارَ بِهِ إِلَى أَصْلِ الْقِسْمَةِ فَخَرَّجُوا الْقِسْمَةَ لِاحْتِمَالِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ: