للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الرَّمَلُ فَهُوَ الْخَبَبُ، فَوْقَ الْمَشْيِ وَدُونَ السَّعْيِ، فَإِذَا أَرَادَ الطَّوَافَ، فَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَرْمُلَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْوَافٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا بِوُقُوفٍ، إِلَّا أَنْ يَقِفَ عَلَى اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ، وَيَمْشِيَ فِي أَرْبَعَةِ أَطْوَافٍ. وَالدَّلَالَةُ عَلَى هَذَا رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَمَلَ مِنْ سَبْعَةٍ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ خَبَبًا لَيْسَ بَيْنَهُنَّ مَشْيٌ، ثُمَّ كَذَا أَبُو بَكْرٍ عَامَ حَجِّهِ إِذْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثُمَّ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْخُلَفَاءُ كَانُوا يَسْعَوْنَ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيمَ الرَّمَلَاتُ، وَلَا أَرَى أحداً أرانيه؟ وَمَعَ هَذَا فَمَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. ثُمَّ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ قَرِيبَانِ يُفْعَلَانِ فِي الطَّوَافِ الَّذِي يَعْقُبُهُ السَّعْيُ، فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ لِعِلَّةٍ بِهِ اضْطَبَعَ، وَإِنْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ لِجُرْحٍ بِهِ رَمَلَ، وَإِنْ تَرَكَهُمَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ، وَلَا دَمَ عليه؛ لأنه هبة، والاضطباع والرمل في الحج، والعمرة، والقران، وقيل: عَرَفَةُ وَبَعْدَهَا، سَوَاءٌ فَأَمَّا الطَّوَافُ الَّذِي لَا يُسْعَى بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يَمْشِي فِيهِ عَلَى هَيْئَةِ، مَنْ سَعَى وَرَمَلَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِهَذَا الطَّوَافِ قُرَيْشٌ، وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْيَنُ النَّاسِ فِيهِ مَنَاكِبَ وَأَنَّهُمْ يَمْشُونَ التُّؤَدَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالدُّنُوُّ مِنَ الْبَيْتِ أَحَبُّ إِلَيَّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ أَقْرَبَ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبَيْتِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالطَّوَافِ الْبَيْتُ، فَإِذَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْمَقْصُودِ كان أولى.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وإن لم يمكنه الرمل فكان إذا وَقَفَ وَجَدَ فُرْجَةً وَقَفَ ثُمَّ رَمَلَ فَإِنْ لم يمكنه أحببت أن يصير حاشية في الطَّوَافِ إِلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ كَثْرَةُ النِّسَاءِ فَيَتَحَرَّكُ حَرَكَةَ مَشْيِهِ مُتَقَارِبًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَثِبَ مِنَ الْأَرْضِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّمَلَ مَسْنُونٌ، وَالدُّنُوُّ مِنَ الْبَيْتِ مُسْتَحَبٌّ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ وَالدُّنُوُّ مِنَ الْبَيْتِ فَعَلَهُمَا مَعًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ مَعَ دُنُوِّهِ مِنَ الْبَيْتِ فَلَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إِنْ وَقَفَ يَسِيرًا وَجَدَ فُرْجَةً وَأَمْكَنَهُ الرَّمَلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَضِرَّ بِوُقُوفِهِ الطَّوَافُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ وَلَا يَثِبَ مِنَ الْأَرْضِ فِي وُقُوفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ يُقْتَدَى بِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إِنْ وَقَفَ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ فُرْجَةً لَكِنْ إِنْ وَقَفَ اسْتَضَرَّ بِوُقُوفِهِ الطَّوَافُ، فَهَذَا يَبْعُدُ مِنَ الْبَيْتِ، وَيَصِيرُ فِي حَاشِيَةِ الطَّوَافِ لِيَرْمُلَ، لِأَنَّ الرَّمَلَ أَوْكَدُ مِنَ الدُّنُوِّ مِنَ الْبَيْتِ وَإِنَّمَا كَانَ الرَّمَلُ أَوْكَدَ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالدُّنُوَّ فَضِيلَةٌ وَالسُّنَّةُ أَوْكَدُ مِنَ الْفَضِيلَةِ، وَلِأَنَّ الرمل من هيئاته الطَّوَافِ الْمَقْصُودَةِ وَلَيْسَ الدُّنُوُّ مِنَ الْبَيْتِ مِنْ هيئته، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ صَارَ إِلَى حَاشِيَةِ الطَّوَافِ مَنَعَهُ كَثْرَةُ النِّسَاءِ فَهَذَا يَدْنُو مِنَ الْبَيْتِ وَيُدْرِكُ الرَّمَلَ لِتَعَذُّرِهِ لِأَنَّ مُخَالَطَةَ النِّسَاءِ مكروهة.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وإن ترك الرمل في الثلاثة لم يقض في الأربع وإن ترك الاضطباع والرمل والاستلام فقد أساء ولا شيء عليه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>