للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ جَازَ فَسَقَطَ الْحَدَّانِ بِعَفْوِهِمَا لَا بِقِصَاصِهِمَا، فَهَذَا شَرْحُ مَذْهَبِنَا فِي قَذْفِهِ لَهَا وَقَذْفِهَا لَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا قَذَفَهَا فَقَذَفَتْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْتَعِنَا، وَحُدَّتْ لِقَذْفِهِ وَلَمْ يُحَدَّ لِقَذْفِهَا، اسْتِدْلَالًا بِاسْتِقْبَاحِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِّ وَاللِّعَانِ، لِأَنَّ مَنْ حُدَّ لَمْ يَلْتَعِنْ، وَمَنِ الْتَعَنَ لَمْ يُحَدَّ، قَالُوا: وَلِأَنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ فَلَا يُوَالَى بَيْنَ حَدَّيْنِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْمَحْدُودَ لَا يَلْتَعِنُ، وَهَذِهِ فِي لُزُومِ الْحَدِّ لَهَا كَالْمَحْدُودَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ بِهِ الحدود.

ودليلنا قوله عز وجل {والذي يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي جَوَازِ اللِّعَانِ لِقَذْفِهِ لِأَنَّهُمَا قَذْفَانِ فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، كَتَقَاذُفِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ حُكْمِ الْقَذْفَيْنِ عِنْدَ انْفِرَادِهِمَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ أَحَدِهِمَا بِالَآخَرِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا كَتَقَاذُفِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ صَارَ قَاذِفًا وَمَقْذُوفًا فَصَارَتْ حَالُهُمَا سَوَاءً وَكَانَا بِتَغْلِيظِ الِالْتِعَانِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ اللِّعَانَ حَقُّ الزَّوْجِ مَوْضُوعٌ لِنَفْيِ النسب الذي لا ينفي بِغَيْرِهِ فَلَوْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ اللِّعَانِ بِقَذْفِهَا له لما أمكن زوج أَنْ يَنْفِيَ نَسَبًا إِذَا قَذَفَ، وَلَتَوَصَّلَتْ كُلُّ زَوْجَةٍ إِلَى إِبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجِ مِنَ اللِّعَانِ وَنَفْيِ النَّسَبِ بِقَذْفِهِ وَأَلْحَقَتْ بِهِ كُلَّ وَلَدٍ مِنْ زِنًا، وَمَا أَدَّى إِلَى هَذَا فَالشَّرْعُ مَانِعٌ مِنْهُ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِقْبَاحِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ أَقْبَحَ مِنْهُ تَعْطِيلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمَا، ثُمَّ هَلَّا إِذَا اسْتَقْبَحَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَثَبَتَ حُكْمَ أَغْلَظِهِمَا وَهُوَ اللِّعَانُ، وَأَسْقَطَ حُكْمَ أَخَفِّهِمَا وَهُوَ الْحَدُّ فَكَانَ أَشْبَهَ بِالصَّوَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِبْقَاءِ الْحَقَّيْنِ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاطِ أَحَدِهِمَا.

وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ فَلَا يُوالَى بَيْنَ حَدَّيْنِ فَالْجَوَابُ عنه من وجهين:

أحدهما: وهو قوله في القديم يجب بقذفها حد واحد؛ لأن كلمة القذف واحدة.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ حدود مُتَجَانِسَةً كَالْقَاذِفِ لِجَمَاعَةٍ، مُخْتَلِفَةٍ كَالْقَذْفِ وَالزِّنَا، وَأَمَّا بِنَاؤُهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِمْ فَهُمْ مُخَالِفُونَ عَنْهُ أَصْلًا وَفَرْعًا فَلَمْ يَسْلَمْ لَهُمْ دَلِيلٌ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَذَفَهَا وَأَجْنَبِيَّةً بِكَلِمَةٍ لَاعَنَ وَحُدَّ لِلْأَجْنَبِيَّةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَأَصِلُ ذَلِكَ قَذْفُ الْأَجْنَبِيَّتَيْنِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ يجب بقذفها حَدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْقَذْفِ وَاحِدَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>