وَالصِّنْفُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَنْ ذَكَرْنَا بِإِزَاءِ قَوْمٍ مُرْتَدِّينَ لَا يُقَاتِلُونَهُمْ عَلَى الرِّدَّةِ إِلَّا بِمَالٍ إِمَّا لِفَقْرٍ أَوْ لِضَعْفِ نِيَّةٍ، وَفِي تَجْهِيزِ الْجَيْشِ إِلَيْهِمْ مُؤْنَةٌ ثَقِيلَةٌ.
وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: أن يكونوا قَوْمٍ مِنَ الْبُغَاةِ وَهَذِهِ حَالُهُمْ مَعَهُمْ.
وَالصِّنْفُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونُوا بِإِزَاءِ قَوْمٍ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَلَا يُقَاتِلُونَهُمْ عَلَى بَذْلِهَا إِلَّا بِمَالٍ فَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ يَجُوزُ تَآلُفُهُمْ بِالْمَالِ لِمَا فِي تَآلُفِهِمْ مِنْ مَعُونَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَفْعِهِمْ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ وَفِي الْمَالِ الَّذِي يُتَآلَفُونَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ وَرَابِعٌ مَعْلُولٌ:
أَحَدُهَا: مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ غُزَاةٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ مِنَ الْخُمُسِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: الْمَعْلُولُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَسَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ وَهَذَا قَوْلٌ مَعْلُولٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ فِي دَفْعِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ سَبَبَيْنِ مِنْ سَهْمَيْنِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ إِعْطَاءَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنَ الزَّكَاةِ الْوَاحِدَةِ بِسَبَبَيْنِ مِنْ سَهْمَيْنِ إِذَا كَانَا فِيهِ مَوْجُودَيْنِ، فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَنَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْطَوْنَ إِلَّا مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي إِعْطَائِهِمْ مِنَ السَّهْمَيْنِ مَعًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِوُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبَبَيْنِ فِيهِمْ مَعَ الْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إِعْطَائِهِ بِالسَّبَبَيْنِ لِمَنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ إِلَيْنَا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنَّهُ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ فِيمَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ مَانِعِي الزَّكَاةِ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَمَنْ قَاتَلَ مِنْهُمُ الْمُشْرِكِينَ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الْغُزَاةِ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدِي فِي هَذَا الْقَوْلُ الرَّابِعُ غَيْرُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يُجْمَعُ لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا بَيْنَ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَبَيْنَ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْجُمْلَةِ إِلَّا أَنْ يُصْبِحَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنَ السَّهْمَيْنِ لَكِنْ يُعْطَى بَعْضُهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ، وَيُعْطَى بَعْضُهُمْ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ فَيَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَ السهمين للجنس الْعَامِّ وَالْمَنْعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا أَصَحُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ تَخْرِيجُ هَذَا القول الرابع والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي: " وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْ حَيِّزِ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يُعْتَقُ عَبْدٌ يُبْتَدَأُ عِتْقُهُ فَيُشْتَرَى وَيُعْتَقُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَالرِّقَابُ صِنْفٌ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي