بَيْنَ مفردٍ أَوْ قارنٍ؛ وَلِأَنَّهُمَا حُرْمَتَانِ يَجِبُ بهتك كل واحد مِنْهُمَا عَلَى الْإِفْرَادِ جزاءٌ واحدٌ، فَوَجَبَ إِذَا جمعهما أَنْ يَجِبَ بِهَتْكِهِمَا جزاءٌ واحدٌ، كَالْمُحْرِمِ إِذَا قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ؛ وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ وَاحِدٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ بِقَتْلِهِ إِلَّا جَزَاءٌ واحد، كالمفرد لأنه نَقْصٌ يَجِبُ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ وَاحِدٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَتَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فِي نُسُكَيْنِ مُفْرَدَيْنِ فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ الصَّيْدَيْنِ؛ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ، وَلَوْ قَتَلَهُمَا فِي نسكٍ وَاحِدٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَارِنُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا وَاحِدًا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْقَضَاءِ فَمُنْتَقِضٌ بِتَرْكِ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْقَضَاءِ: أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْأَدَاءِ، فَلَمَّا كَانَ مُؤَدِّيًا لِنُسُكَيْنِ فوجب أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا لِنُسُكَيْنِ، وَالْجَزَاءُ مُعْتَبَرٌ بِالصَّيْدِ، فَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ وَاحِدًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الجزاء واحداً.
مسألة: قال الشافعي: رضي الله عنه: " وَلَوِ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِ صيدٍ لَمْ يَكُنْ عليهم إلا جزاءٌ واحدٌ وهو قول ابْنِ عُمَرَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا اشْتَرَكَ جماعة محرمون فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى جَمَاعَتِهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، ولو كانوا مائة، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وأبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ، ثُمَّ نَاقَضَ أبو حنيفة فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فَقَالَ: إِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْمُحْرِمِ فَعَلَى جَمِيعِهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: هَلْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ أَمْ لَا؟
وَالثَّانِي: هَلِ الْجَزَاءُ يَجْرِي مَجْرَى الْكَفَّارَاتِ أَوْ ضَمَانِ الْأَمْوَالِ، واستدلوا أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءً كَامِلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (المائدة: ٩٥) فَعَلَّقَ الْجَزَاءَ عَلَى شَرْطِ الْقَتْلِ بِلَفْظَةِ مَنْ، وَلَفْظَةُ (مَنْ) إِذَا عُلِّقَ عَلَيْهَا الْجَزَاءُ اسْتَوَى حَالُ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَلَوْ دَخَلَهَا وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا وَلَوْ دَخَلَهَا مِائَةٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا كَذَلِكَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَتَكَ حُرْمَةَ إِحْرَامِهِ بِالْقَتْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ، كَمَا لَوْ تَفَرَّدَ بِالْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ يَدْخُلُهَا الصَّوْمُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْتَقِضَ قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ يَجْرِي مَجْرَى الْكَفَّارَاتِ، دُونَ ضَمَانِ الْأَمْوَالِ بِأَنَّ مَنْ قَتَلَ صَيْدًا لِنَفْسِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَلَوْ كَانَ يَجْرِي مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ سَقَطَ عَنْهُ الْجَزَاءُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الدِّيَةَ لَمَّا كَانَتْ جَارِيَةً مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ سَقَطَتْ عَنِ السيد في قتل عبده، ولما كانت الكفارات مخالفة لها لم تسقط الكفارات عَنِ السَّيِّدِ بِقَتْلِ عَبْدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَالْقِيمَةُ، فَلَوْ كَانَ الْجَزَاءُ كَالْقِيمَةِ لَمْ يَجْتَمِعَا، وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ يَدْخُلُ فيه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute