للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّوْمُ، وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّوْمُ، وَلِأَنَّ مَا سِوَى الْجَزَاءِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَفَارَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ الَّذِي هُوَ أَيْضًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَفَّارَةٌ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أن على جماعتهم جزاء واحد قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) {المائدة: ٩٥) وَمِنْهَا دَلِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَّقَ الْجَزَاءَ بِلَفْظِ (مَنْ) عَلَى شَرْطِ الْقَتْلِ، وَالشَّرْطُ إِذَا عُلِّقَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ (مَنْ) إِنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءً كَامِلًا كَقَوْلِهِ:

مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ مَوْجُودٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَوْجُودًا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ فَالْجَزَاءُ مُسْتَحَقٌّ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: مَنْ جَاءَ بِعَبْدِيَ الْآبِقِ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَمَنْ شَالَ الْحَجَرَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي شَيْلِ الْحَجْرِ وَالْمَجِيءِ بِالْآبِقِ فَالدِّرْهَمُ مُسْتَحَقٌّ بَيْنَ جماعتهم، ولا يستحقه كل واحد في شَيْلَ الْحَجْرِ وَالْمَجِيءَ بِالْآبِقِ وُجِدَ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْقَتْلُ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مُسْتَحَقًّا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَفِي هَذَا اسْتِدْلَالٌ وَانْفِصَالٌ.

وَالدَّلِيلُ الثَّانِي مِنَ الْآيَةِ: قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) {المائدة: ٩٥) فَأَوْجَبَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ جَزَاءً وَهُوَ مِثْلُ الْمَقْتُولِ، وَمِثْلُ الْوَاحِدِ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ مِنْ قَاتَلٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جَمَاعَةٍ كَمَا أَنَّ مِثْلَ الْعَشْرَةِ عَشْرَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَمِنَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ: حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الضَّبُعُ صيدٌ يُؤْكَلُ وَفِيهِ كبشٌ إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ " فَذَكَرَ الْمُحْرِمَ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ الْمُسْتَوْعِبَةِ لِلْجِنْسِ؛ ثُمَّ جَعَلَ جَمِيعَ مُوجِبِهِ الْكَبْشَ؛ وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رُوِيَ ذَلِكَ عنهم في قضيتين منتشرتين:

أحدهما: مَا رُوِيَ أَنَّ مَوَالِيَ لِابْنِ الزُبَيْرِ أَحْرَمُوا فَمَرَّتْ بِهِمْ ضبعٌ فَحَذَفُوهَا بِعِصِيِّهِمْ فَأَصَابُوهَا فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَأَتَوُا ابْنَ عُمَرَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ له، فقال: إني لمعرتٌ بِكَمْ: عَلَيْكُمْ كبشٌ، فَقَالُوا: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ٍمنها؟ فَقَالَ: بَلَ عَلَيْكُمْ جَمِيعًا، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: إِنِّي لمعرت أَيْ: لَمُشَدِّدٌ عَلَيْكُمْ.

وَالثَّانِيَةُ: مَا رُوِيَ أَنَّ مُحْرِمَيْنِ وَطِئَا صَيْدًا بِفَرَسِهِمَا فَقَتَلَاهُ فَسَأَلَا عُمَرَ عَنْهُ فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا تَقُولُ فِيهِ؟ قَالَ: عَلَيْهِمَا شَاةٌ، فَقَضَى عُمَرُ عَلَيْهِمَا بِالشَّاةِ، فَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ عُمَرَ فِي قَضِيَّتَيْنِ مُنْتَشِرَتَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَمِنْ طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ أَنْ نَقُولَ: لِأَنَّهُ صَيْدٌ وَاحِدٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ بقتله إلا جزاء واحداً كَالْقَاتِلِ الْوَاحِدِ، وَلِأَنَّ كُلَّ صَيْدٍ لَوِ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ كَانَ فِيهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا اشْتَرَكَ فِيهِ جَمَاعَةٌ كَانَ فِيهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَالْمُحِلِّينَ إِذَا اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِ صَيْدٍ فِي الْمُحْرِمِ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ قَدْ يُضْمَنُ بِالْجَزَاءِ وَيُضْمَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>