للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا بِيَدِهِ مُسْتَحَقٌّ فِي كِتَابَتِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نُظِرَ فِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ فِيهَا ضَمَانَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَأْخُوذًا بِمَالِ كِتَابَتِهِ لَا غَيْرَ وَإِنْ شَرَطَ فِيهَا السَّيِّدُ ضَمَانَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالْكِتَابَةُ، لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ إِذَا نَافَاهُ أَبْطَلَهُ كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبُيُوعِ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا الْحَوَالَةُ بِمَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فَيُحِيلَ عَلَى مُكَاتَبِهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ، فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ، لأن الحوالة تكون في الحقوق اللازمة ما عَلَى الْمُكَاتَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ، فَيُحِيلَ سَيِّدَهُ بِمَا حَلَّ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ، فَتَصِحَّ الْحَوَالَةُ، لِأَنَّ دَيْنَ الْمُكَاتَبِ عَلَى غَرِيمِهِ لَازِمٌ فَصَارَتِ الْحَوَالَةُ بدين لازم. والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدًا كِتَابَةً فَاسِدَةً فَأَدَّى عَتَقَ وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عَتَقَ وَرَجَعَ عَلَى السَّيِّدِ بِمَا دَفَعَ فَأَيُّهُمَا كَانَ لَهُ الْفَضْلُ رَجَعَ بِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْعِتْقُ ضَرْبَانِ: نَاجِزٌ، وَعَلَى صِفَةٍ.

فَأَمَّا النَّاجِزُ فَهُوَ مَا كَانَ وُقُوعُهُ مُقْتَرِنًا بِلَفْظِ الْمُعْتِقِ فَيَقَعُ بَاتًّا لَا رُجُوعَ فِيهِ بَعْدَ نُفُوذِهِ.

وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ فَضَرْبَانِ: صِفَةٌ مَحْضَةٌ، وَصِفَةٌ مُعَاوَضَةٌ.

فَأَمَّا الصِّفَةُ الْمَحْضَةُ. فَكَقَوْلِهِ: إِذَا دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِذَا وُجِدَتِ الصِّفَةُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَبِقُدُومِ زَيْدٍ وَقَعَ الْعِتْقُ.

وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِذَا دَفَعْتَ إِلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ عِتْقًا بِصِفَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِتْقَ مُعَاوَضَةٍ وَإِنْ وَقَعَ الْعِتْقُ بِدَفْعِ مَالٍ، لِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَمَتَى دَفَعَ الْأَلْفَ كَامِلَةً عَتَقَ بِهَا لَكِنْ إِنْ قَالَ: إِذَا دَفَعْتَ إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ الدَّفْعُ عَلَى الْفَوْرِ. فَإِذَا دَفَعَ فِي مَجْلِسِهِ عَتَقَ وَإِنْ تَرَاخَ لَمْ يَعْتِقْ.

وَإِنْ قَالَ: مَتَى دَفَعْتَ إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ دَفْعُهَا عَلَى التَّرَاخِي فَمَتَى دَفَعَهَا عَاجِلًا، أَوْ آجِلًا عَتَقَ بِهَا. وَإِذَا كَانَ عِتْقُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَاقِعًا بِدَفْعِ جَمِيعِ الْأَلْفِ فَلَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>