قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي مُسْلِمٍ جَرَحَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَلَا يَجِبُ فِي النَّفْسِ قَوَدٌ، وَلَا دِيَةٌ، لِأَنَّ تَلَفَهَا كَانَ بِجِنَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَسِرَايَةٍ فِي الردة، والردة يسقط حُكْمُ مَا حَدَثَ فِيهَا مِنَ السِّرَايَةِ فَسَقَطَ بِهَا مَا زَادَ عَلَى الْجِنَايَةِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْجِنَايَةُ، وَلَيْسَتْ عَلَى النَّفْسِ فَسَقَطَ حُكْمُ النَّفْسِ.
فَأَمَّا الْجِنَايَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ طَرَفٍ، فالمنصوص عليه من مذهب الشافعي ها هنا وَفِي كِتَابِ " الْأُمِّ " أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقِصَاصِ، وَالْأَرْشِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لِحُدُوثِهَا فِي الْإِسْلَامِ الْمُوجِبِ لِضَمَانِهَا، وَتَكُونُ الرِّدَّةُ مُخْتَصَّةً بِسُقُوطِ مَا حَدَثَ مِنَ السِّرَايَةِ فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: " يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ " لِأَنَّ الْجُرْحَ إِذَا صَارَ نَفْسًا دَخَلَ فِي حُكْمِهَا، وَصَارَ تَبَعًا لَهَا. فَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ الْمَتْبُوعَةِ سَقَطَ فِي الْجُرْحِ التَّابِعِ.
وَحَكَى أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَجْهًا ثَالِثًا: أَنَّهُ يَسْقُطُ حُكْمُ الجناية في القصاص الأرش جَمِيعًا، لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ نَفْسًا دَخَلَتْ فِي حُكْمِهَا، وَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ النَّفْسِ فَسَقَطَ حُكْمُ مَا دُونَهَا.
وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ فَاسِدٌ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَصْلٌ، وَالسِّرَايَةَ فَرْعٌ، فَلَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ الْأَصْلِ بِسُقُوطِ فَرْعِهِ، وَإِنْ سَقَطَ حُكْمُ الْفَرْعِ بِسُقُوطِ أَصْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِي الرِّدَّةِ وَسَرَتْ فِي الْإِسْلَامِ سَقَطَ حُكْمُ السِّرَايَةِ لِسُقُوطِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا جَنَى عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَسَرَتْ فِي الرِّدَّةِ ثَبَتَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ سَقَطَ حُكْمُ السِّرَايَةِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ أن الجناية مضمونة بالأمرين، وإن سقط الحكم السِّرَايَةِ فِي الْأَمْرَيْنِ، لَمْ يَخْلُ حَالُ الْجِنَايَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ أَوْ لَا يَكُونَ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ كَالْجَائِفَةِ وَجَبَ أَرْشُهَا، وَكَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ دُونَ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ، وَلَمْ يَجُزِ الْعَفْوُ عَنِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ،.
وَفِي مُسْتَحِقِّ اسْتِيفَائِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ، وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ كَالْمَالِ، وَمَالُ الْمُرْتَدِّ لِبَيْتِ الْمَالِ دُونَ وَرَثَتِهِ، فَتَوَلَّى الْإِمَامُ كما