للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَّا الْعَطِيَّةُ: فَهُوَ مَا يُوصِي بِهِ الرَّجُلُ مِنْ أَمْوَالِهِ، لِمَنْ أَحَبَّ. فَالْوَقْتُ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ قَبُولُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ، بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي.

فَإِنْ قَبِلَ أَوْ رَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ: صَحَّ وَكَانَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ حُكْمِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ.

فَأَمَّا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي: فَلَا يَصِحُّ قَبُولُهُ وَلَا رَدُّهُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: " يَصِحُّ الرَّدُّ وَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ، لِأَنَّ الرَّدَّ أَوْسَعُ حكما من القبول " اهـ.

وَهَذَا فَاسِدٌ لِأُمُورٍ مِنْهَا.

إِنَّ الرَّدَّ فِي مُقَابَلَةِ الْقَبُولِ، لِأَنَّهُمَا مَعًا يَرْجِعَانِ إِلَى الْوَصِيَّةِ، فَلَمَّا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ الْمَوْتِ زَمَانًا لِلْقَبُولِ، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ زَمَانًا لِلرَّدِّ، وَصَارَ كَزَمَانِ مَا قَبْلَ الْوَصِيَّةِ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِيهِ قَبُولٌ، وَلَا رَدٌّ وَعَكْسُهُ مَا بعد الموت كما صَحَّ فِيهِ الْقَبُولُ، صَحَّ فِيهِ الرَّدُّ.

وَمِنْهَا: إِنَّ الرَّدَّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ عَفْوٌ قَبْلَ وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَجَرَى مَجْرَى الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَعَنِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَبْلَ الْمَوْتِ مَرْدُودٌ عَنِ الْوَصِيَّةِ، فَلَمْ يكن رده له مُخَالِفًا لِحُكْمِهَا.

فَصْلٌ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَسَوَاءٌ أَوْصَى له بأبيه، أو غيره " اهـ. وَهَذَا قَالَهُ رَدًّا عَلَى طَائِفَتَيْنِ، زَعَمَتْ إِحْدَاهُمَا أَنَّ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ بِابْنِهِ فَعَلَيْهِ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهَا.

وَزَعَمَتِ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ إِذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ بِأَبِيهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي: صَحَّ الْقَبُولُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْوَصَايَا.

وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا خَطَأٌ، وَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَعْدَ الْمَوْتِ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ كَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ.

فَعَلَى هَذَا إِنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ بِأَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي عتق عليه ثم نظر.

فإن كان قبوله صحيحا: ورثه أبوه لو مات.

فلو كَانَ عِنْدَ قَبُولِهِ مَرِيضًا كَانَ فِي مِيرَاثِهِ لَوْ مَاتَ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَرِثُ، لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالْقَبُولِ وَصِيَّةٌ لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَرِثُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِهِ فَيَكُونُ وصية منه.

فعلى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: لَوْ قَبِلَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، يُعْتَقُ ثُلُثُهُ، وَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ، لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَهُ وَلَيْسَ الوصية مِنْهُ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بالولاية على مال طفل، وتفريق ثلثه، أَوْ تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ، فَيَصِحُّ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَبَعْدَ مَوْتِهِ، بِخِلَافِ وَصَايَا الْعَطَايَا.

لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ، فَكَانَ قَبُولُهُ فِي حَيَاةِ العاقد أصح وتلك عَطِيَّةٌ تُقْبَلُ فِي زَمَانِ التَّمْلِيكِ، وَقَبُولُهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ تَنْفِيذُ الْوَصَايَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>