التَّطَلُّعُ عَلَى دَارٍ لَا سَاكِنَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُرْمَى الْمُتَطَلِّعُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا مَتَاعٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِارْتِفَاعِ الْعَوْرَةِ. فَإِنْ رُمِيَ الْمُتَطَلِّعُ ضَمِنَهُ رَامِيهِ وَهَكَذَا الْأَعْمَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْمَى إِذَا تَطَلَّعَ عَلَى الْمَنَازِلِ المسكونة، لأنه لا ينهتك بِتَطَلُّعِهِ عَوْرَةٌ فَإِنْ رُمِيَ ضَمِنَهُ الرَّامِي.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَطَلِّعُ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ الذين يجري بينهم الْقِصَاصُ فِي الْجِنَايَةِ، وَالْحَدُّ فِي الْقَذْفِ، كَالْأَبْنَاءِ، وَالْبَنَاتِ، وَالْإِخْوَةِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْأَعْمَامِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْأَخْوَالِ، وَالْخَالَاتِ، فَفِي جَوَازِ رَمْيِهِمْ وَفَقْءِ أَعْيُنِهِمْ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ: لَهُ رَمْيُهُمْ كَالْأَجَانِبِ لِجَرَيَانِ الْقِصَاصِ، وَالْحُدُودِ، بَيْنَهُمْ.
روَى صَفْوَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ إِنِّي أَخْدُمُهَا، قَالَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، فَعَاوَدَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً قَالَ لَا، قَالَ فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا) .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ لَهُ رَمْيُهُمْ، ويضمن إن رماهم كالآباء لقول الله تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةَ فَشَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ فِي إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى الزِّينَةِ الباطنة؛ لأن الزينة الظاهرة لا تحرم عَلَى الْأَجَانِبِ فَسَوَّى بَيْنَ الزَّوْجِ وَبَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ فِيهَا وَإِنْ خَالَفَهُمْ فِي التَّلَذُّذِ بِهَا دونهم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ ضَرْبُهُ وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ (قَالَ المزني) رحمه الله الَّذِي عُضَّ رَأْسُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ الْعَاضِّ أَوْلَى بِضَرْبِهِ وَدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَسَاكِنَ حِمَى سَاكِنِيهَا سَوَاءٌ مَلَكُوهَا، أَوِ اسْتَأْجَرُوهَا وَلَهُمْ مَنْعُ غَيْرِهِمْ مِنْ دُخُولِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا.
وَالثَّانِي: لِأَنَّهَا سَاتِرَةٌ لِعَوْرَاتِهِمْ وَلِحُرَمِهِمْ.
فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا أَجْنَبِيٌّ، أَوْ مُنَاسِبٌ، لَيْسَ بِذِي مَحْرَمٍ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا، أَوْ مَفْتُوحًا؛ لِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: ٢٧] وَقَرَأَ ابْنُ