للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا تَسْمِيَةُ الشُّهُودِ الَّذِينَ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ فِي الْمَحْضَرِ وَالسِّجِلِّ فَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي الْأَوْلَى مِنْهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ.

فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّ تَرْكَ تَسْمِيَتِهِمْ أَوْلَى وَهُوَ أَحْوَطُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ.

وَاخْتَارَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا.

وَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّ تَسْمِيَتَهُمْ فِيهِ أَوْلَى وَهُوَ أَحْوَطُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِمَّا لَعَلَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ جَرْحِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِنَا.

وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ عَدَلَ عَنْ كُتُبِ السِّجِلِّ إِلَى أَنْ زَادَ فِي الْمَحْضَرِ إِنْفَاذَ حُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ بَعْدَ إِمْهَالِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِمَا يَدْفَعُ بِهِ الشَّهَادَةَ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا وَعَلِمَ فِيهِ وَأَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ جَازَ.

(الْقَضَاءُ على الغائب)

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " فَإِنْ قَبِلَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِ خَصْمٍ فَلَا بَأْسَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا بَيِّنَةٌ لَمْ تُسْمَعْ، لِأَنَّ سَمَاعَهَا غَيْرُ مُفِيدٍ وَإِنِ اقْتَرَنَ بِهَا بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ وَسُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ.

وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ.

فَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ سَمَاعُ حُكْمٍ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ سَمَاعُ تَحَمُّلٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.

فَأَمَّا الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَلَا تخلو غيبته من ثلاثة أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنِ الْحُكْمِ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِهِ فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ وَإِمْضَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بَعْدَ إِعْلَامِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ.

فَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ ارْتِفَاعُ الضَّرُورَةِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ مَا عَسَاهُ يَدْفَعُ بِهِ الْحُجَّةَ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْحُكْمِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْبَتِهِ فِي عُمُومِ الْأَحْكَامِ، فِيمَا يُنْقَلُ وَلَا يُنْقَلُ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِحَاضِرٍ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِحَاضِرٍ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>