للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا النَّقْلِ خِلَافٌ مُسْتَحِيلٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَمْ يُحْضِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَرِيكًا - يَعْنِي وَقْتَ اللِّعَانِ.

وَقَوْلُهُ: وَسَأَلَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَرِيكًا يَعْنِي وَقْتَ وَضْعِ الْوَلَدِ عَلَى شَبَهِهِ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ فِي صِحَّةِ قَذْفِهِ فَلَمْ يُمْتَنَعْ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْتَحَلَّ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخَذَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَوْ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يُحْضِرْ شَرِيكًا وَلَا سَأَلَهُ. فَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " وَفَرَّعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَمِعَ مِنْ غَيْرِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحْضَرَ شَرِيكًا، أَوْ حَضَرَ فَسَأَلَهُ فَأَنْكَرَ فَذَكَرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَرْجِعْ عَمَّا أَخَذَهُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِصِحَّةِ أَحَدِ النَّقْلَيْنِ، وَإِمَّا لِأَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّقْلَيْنِ، وَإِمَّا لِسَهْوِهِ عَنِ الْأَوَّلِ لِتَشَاغُلِهِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَكَانَ هَذَا سَبَبَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ نَقْلُهُ وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " (وقال) في اللعان لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِذَا رُمِيَ رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ يبعث إليه عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَلا تَجَسَّسُوا} فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ النَّبِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ أُنَيْسًا إِلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فَقَالَ: " إِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " فَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَكَرَ أَبُو الزَّانِي بِهَا أَنَّهَا زَنَتْ فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قدفها وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها (قال) ولما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه لم يؤخذ له الحد لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإنما سأل المقذوفة والله عز وجل أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ولم يلتعن الزوج ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا سَمِعَ قَذْفًا بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أحدهما: أَنْ يَتَعَيَّنَ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَتَعَيَّنَ الْمَقْذُوفُ كأن سمع رجلاً يقول زنا رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِي، أَوْ زَنَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، فَالْقَاذِفُ مُتَعَيَّنٌ وَالْمَقْذُوفُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ لِلْجَهْلِ بِمُسْتَحَقِّ الْحَدِّ، وَلَا يَسْأَلُ عَنْ تَعْيِينِ الْمَقْذُوفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تسؤكم} [المائدة: ١٠١] .

وَمِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: أن فلانا زنا، أو سمعت الناس

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَيَّنَ فِيهِ الْمَقْذُوفُ وَلَا يتعين القاذف.

<<  <  ج: ص:  >  >>