للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالجراج الْمُنْدَمِلِ، وَلَوْ ثَبَتَتِ الْإِلْيَتَانِ بَعْدَ قَطْعِهِمَا لَمْ يَرُدَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ دِيَتِهِمَا، وَقَدْ خُرِّجَ فِي رَدِّهَا قَوْلٌ آخَرُ كَاللِّسَانِ إِذَا نَبَتَ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَكُلُّ مَا قُلْتُ فِيهِمَا الدِّيَةُ فَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ النَّصَّ وَارِدٌ بِهِ، وَالْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ، وَالِاعْتِبَارَ مُوجِبٌ لَهُ، فَإِنْ وَجَبَتْ فِي ثَلَاثَةٍ كَالْأَنَامِلِ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ، وَإِنْ وَجَبَتْ فِي أَرْبَعَةٍ كَالْجُفُونِ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ الدِّيَةِ، وَإِنْ وَجَبَتْ فِي خمسة كالأصابع كان في كل واحد منهما الْخُمُسُ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، لِأَنَّ مَا قَابَلَ الْجُمْلَةَ تَقَسَّطَتْ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَالْأَثْمَانِ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا تُفَضَّلُ يُمْنَى عَلَى يُسْرَى ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُمَا، وَالنَّفْعَ وَالْجَمَالَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَلَئِنْ تَفَاضَلَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ لِتُفَاضِلِ الدِّيَةِ، كَمَا لَا تُفَضَّلُ يَدُ الْكَاتِبِ وَالصَّانِعِ عَلَى يَدِ مَنْ ليس بكاتب ولا صانع، وكما لا نفضل يَدُ الْكَبِيرِ الْقَوِيِّ عَلَى يَدِ الصَّغِيرِ الضَّعِيفِ، وَعَلَى أَنَّ لِمَيَاسِرِ الْأَعْضَاءِ نَفْعًا رُبَّمَا لَمْ يَكُنْ لِمَيَامِنِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا تَسَاوَيَا فِي حُكْمِ الدِّيَةِ فَهَلَّا تَسَاوَيَا فِي الْقَوَدِ فَجَازَ أَخْذُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى؛

قِيلَ: الْقَوَدُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْحُكْمِ التَّسَاوِي فِي الْمَحَلِّ وَهُمَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي الْحُكْمِ فَقَدِ افْتَرَقَا فِي الْمَحَلِّ فَكَذَلِكَ لَوِ اسْتَوَيَا فِي الدِّيَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْقَوَدِ وَكَمَا لَا تُفَضَّلُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَإِنِ اخْتَلَفَتَا فِي الْقَوَدِ كَذَلِكَ لَا تُفَضَّلُ الْعُلْيَا عَلَى السُّفْلَى فِي الْأَنَامِلِ وَالْأَسْنَانِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقَوَدِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا عَيْنُ أَعْوَرَ عَلَى عَيْنِ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ولا يجوز أن يقال فيها دية تامة وإنما قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في العينين الدية وعين الأعور كيد الأقطع ".

قال الماوردي: وهذا كما قال، إذا فقئت عين الأعور ففيها دية عين واحدة وهي نصف الدية كعين من ليس بأعور وهو قول جمهور الفقهاء.

وَقَالَ مَالِكٌ: فِيهَا جَمِيعُ الدِّيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، احْتِجَاجًا بِأَنَّهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>