رُوِيَ عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةَ وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَيَّرَهُ إِذَا كَانَ لِلْجَانِي عَيْنَانِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ إِحْدَاهُمَا وَيَأْخُذَ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الْقِصَاصِ وَيَأْخُذَ جَمِيعَ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لِقَوْلِهِمْ مَعَ انْتِشَارِهِ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَلِأَنَّ الْأَعْوَرَ يُدْرِكُ بِعَيْنِهِ جَمِيعَ مَا يُدْرِكُهُ ذُو الْعَيْنَيْنِ، فَإِذَا قَلَعَ عَيْنَهُ فَقَدْ أَذْهَبَ بَصَرًا كَامِلًا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَخَالَفَ يَدَ الْأَقْطَعِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهَا مَا كَانَ يُعْمَلُ بِهِمَا، وَلِذَلِكَ جَازَ فِي الْكَفَّارَةِ عِتْقُ الْعَوْرَاءِ وَلَمْ يَجُزْ عِتْقُ الْقَطْعَاءِ، وَلِأَنَّ ضَوْءَ الْعَيْنَيْنِ يُحَوَّلُ فَيَنْتَقِلُ مِنْ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ تَحْدِيدَ نَظَرِهِ فِي رَمْيٍ أَوْ ثقب أغمض إِحْدَى عَيْنَيْهِ لِيُقَوِّيَ ضَوْءَ الْأُخْرَى فَيُدْرِكَ بِهَا نَظَرًا لِمَا يُدْرَكُ مَعَ فَتْحِ أُخْتِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ ضَوْءَ الذَّاهِبَةِ انْتَقَلَ إِلَى الْبَاقِيَةِ فَلَزِمَ فِيهَا جَمِيعَ الدِّيَةِ، وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ " وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأَعْوَرِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ يُدْفَعُ بِعُمُومِ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَكْمُلْ فِيهَا دِيَةُ الْعَيْنَيْنِ كَعَيْنِ ذِي الْعَيْنَيْنِ.
وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عُضْوَيْنِ إِذَا وَجَبَ فِيهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ مَعَ بَقَاءِ نَظِيرِهِ وَجَبَ فِيهِ ذَلِكَ النِّصْفُ مَعَ عَدَمِ نَظِيرِهِ كَيَدِ الْأَقْطَعِ.
وَلِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ عَيْنُ الْأَعْوَرِ مَقَامَ عَيْنَيْنِ لَوَجَبَ أَنْ يُقْتَصَّ بِهَا مِنْ عَيْنَيِ الْجَانِي لِقِيَامِهَا مَقَامَ عَيْنَيْهِ، وَلَوَجَبَ إِذَا قَلَعَ عَيْنَ الْأَعْوَرِ إِحْدَى عَيْنَيْنِ أَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ كَمَا لَا يُقْتَصُّ مِنْ عَيْنَيْنِ بِعَيْنٍ، وَفِي الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا قَالُوهُ.
وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ كَمَالُ الدِّيَةِ لَوَجَبَ عَلَى مَنْ قَلَعَ عَيْنَيْ رَجُلٍ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى أَنْ تَلْزَمَهُ دِيَةٌ وَنَصِفٌ، لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ بِقَلْعِ الْأُولَى أَعْوَرَ فَلَزِمَهُ بِهَا نِصْفُ الدية ويقلع الْأُخْرَى بَعْدَ الْعَوَرِ جَمِيعُ الدِّيَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، فَدَلَّ عَلَى فَسَادِ مَا اعْتَبَرُوهُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِيهِ عَائِشَةَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ فَلَمْ يَكُنْ إِجْمَاعًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا قَالُوا وَخَالَفَهُمْ،
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ يُدْرِكُ بِالْبَاقِيَةِ مَا كَانَ يُدْرِكُهُ بِهِمَا فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute