للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(دليل العقل والعرف)

:

وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ١١٢] . الْآيَةَ.

وَلِأَنَّ النَّاسَ لِمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنَ التَّنَافُسِ وَالتَّغَالُبِ وَلِمَا فُطِرُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالتَّجَاذُبِ يَقِلُّ فِيهِمُ التَّنَاصُرُ وَيَكْثُرُ فيها التَّشَاجُرُ وَالتَّخَاصُمُ، إِمَّا لِشُبْهَةٍ تَدْخُلُ عَلَى مَنْ تَدَيَّنَ أَوْ لِعِنَادٍ يُقْدِمُ عَلَيْهِ مَنْ يَجُورُ. فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى قَوْدِهِمْ إِلَى الْحَقِّ وَالتَّنَاصُفِ بِالْأَحْكَامِ الْقَاطِعَةِ لِتَنَازُعِهِمْ وَالْقَضَايَا الْبَاعِثَةِ عَلَى تَنَاصُفِهِمْ.

وَلِأَنَّ عَادَاتِ الْأُمَمِ بِهِ جَارِيَةٌ وَجَمِيعَ الشَّرَائِعِ بِهِ وَارِدَةٌ.

وَلِأَنَّ فِي أَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ مَا يَكْثُرُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ إِلَّا بِالْحُكْمِ الْفَاصِلِ وَالْقَضَاءِ الْقَاطِعِ. "

[(فصل: [شروط ولاية القضاء] )]

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا فَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ تَشْتَمِلُ على خمسة شروط: مولى ومولي وعمل ونظر وعقد.

( [المولي] )

فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُوَلِّي فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى أَصْلٍ وَفَرْعٍ.

فَأَمَّا الْأَصْلُ فَهُوَ الْإِمَامُ الْمُسْتَخْلَفُ عَلَى الْأُمَّةِ فَتَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ جِهَتِهِ فَرْضٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ وِلَايَتِهِ.

وَالثَّانِي: لِأَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حَتَّى يَسْأَلَ لِأَنَّهُ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُسْتَرْعَاةِ.

وَأَمَّا الْفَرْعُ: فَهُوَ قَاضِي الْإِقْلِيمِ إِذَا عَجَزَ عَنِ النَّظَرِ فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي لَزِمَهُ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ فِيمَا عَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَةِ النَّظَرِ فِيهِ.

فَإِنْ بَعُدَ عَنِ الْإِمَامِ تَعَيَّنَ فَرْضُ التَّقْلِيدِ عَلَى الْقَاضِي وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ كَانَ فَرْضُ التَّقْلِيدِ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ.

وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا فَأَيُّهُمَا انْفَرَدَ بِالتَّقْلِيدِ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْهُمَا.

فَإِنْ تَفَرَّدَ الْقَاضِي بِالتَّقْلِيدِ كَانَ فِيهِ عَلَى عُمُومِ وِلَايَتِهِ. وَإِنْ تَفَرَّدَ الْإِمَامُ بِالتَّقْلِيدِ كَانَ عَزْلًا لِلْقَاضِي عَنْهُ إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ فِي التَّقْلِيدِ بِاسْتِنَابَتِهِ عَنْهُ فَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى وِلَايَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>