للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ لَوْ أَرَادَ الِاسْتِتَارَ عَنِ الْأَبْصَارِ لغلق بَابَهُ، وَسَدَّ كُوَّتَهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقِفَ الْمُتَطَلِّعُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَدِيمَ النَّظَرَ إِلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ لَهُ رَمْيُهُ وَفَقْءُ عَيْنِهِ كَالْمُتَطَلِّعِ مِمَّا يَسْتُرُ أَبْصَارَ الْمَارَّةِ لِلتَّعَدِّي بِهِمَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيِّ لَيْسَ لَهُ رَمْيُهُ وَلَا فَقْءُ عَيْنِهِ، وَهُوَ ضَامِنٌ إِنْ فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبَاحَ النَّظَرَ إِلَيْهِ بِفَتْحِ بَابِهِ، وَلَوْ أراد أن يستتر لغلقه، وَيَصِيرُ كَالْوَاقِفِ عَلَيْهِ فِي طَرِيقٍ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ وَقَفَ الْمُتَطَلِّعُ فِي حَرِيمِ الدَّارِ كَانَ لِصَاحِبِهَا مَنْعُهُ مِنَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَفَ في باحة الطَّرِيقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنَ الْوُقُوفِ، ويمنعه من النظر وباحة الطريق وسطه، وفي حيث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ بَاحَةُ الطَّرِيقِ وَلَكِنْ لَهُنَّ حُجْرَتَاهُ، وَبَاحَتُهُ وَسَطُهُ، وَحُجْرَتَاهُ جَانِبَاهُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي حَظْرِ التَّطَلُّعِ وَرَمْيِ الْمُتَطَلِّعِ فَالْحَظْرُ عَامٌّ وَالرَّمْيُ خَاصٌّ فَيَحْرُمُ التطلع على المناسبين مِنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَجَانِبِ،؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، أَوْ كَانَ مَعَ حُرْمَتِهِ عَلَى حَلَالِهِ، فَلَا يَحِلُّ لِذِي بَصَرٍ أَنْ يَرَاهُ وَأَمَّا الرَّمْيُ فَخَاصٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُتَطَلِّعِ، وَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثلاثة أقسام:

أحدهما: أَنْ يَكُونَ مِنْ وَالِدَيْهِ الَّذَيْن لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِمْ قِصَاصٌ فِي جِنَايَةٍ وَلَا حَدٌّ فِي قَذْفٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَمْيُهُمْ، وَلَا فقؤهم، لأنه نوع حد فسقط عنه كَالْقَذْفِ، فَإِنْ رَمَاهُمْ وَفَقَأَهُمْ ضَمِنَ وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ أَمْ لَا؟ مُعْتَبَرًا بِحَالِهِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ التَّطَلُّعِ عَلَيْهِ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ فَلَا شُبْهَةَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَهِيَ شُبْهَةٌ لَهُ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ عَنْهُ، وَيَضْمَنُ الدِّيَةَ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُتَطَلِّعُ أَجْنَبِيًّا أَوْ مِنْ مناسبية وَذَوِي رَحِمِهِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ كَبَنِي الْأَعْمَامِ، وَبَنِي الْأَخْوَالِ. فَهُمْ فِي حَظْرِ التطلع كَالْأَجَانِبِ فِي إِبَاحَةِ رَمْيِهِمْ، وَفَقْءِ أَعْيُنِهِمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَطَلِّعُ رَجُلًا، أَوِ امْرَأَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ، أَوِ امْرَأَةٌ فِي تَحْرِيمِ التَّطَلُّعِ، وَرَمْيِ الْمُتَطَلِّعِ، وَإِنْ كَانَ تَطَلُّعُ الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ، وَتَطَلُّعُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ، أَخَفَّ حَظْرًا مِنْ تَطَلُّعِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَتَطَلُّعِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ، وَلَكِنْ لو كان

<<  <  ج: ص:  >  >>