للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا إِنْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا حِصَّتَهُ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ نَصِيبِهِ عَتَقَ وَبَرِئَ وَكَانَ عِتْقُهُ إِبْرَاءً، وَإِبْرَاؤُهُ عِتْقًا لِاقْتِرَانِ الْمَالِ بِالرِّقِّ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْإِبْرَاءِ وَالْعِتْقِ مَقَامَ صَاحِبِهِ، وَسَاوَاهُ فِي حُكْمِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَعْتِقُ بِالْإِبْرَاءِ نَصِيبُ الْمُبَرِّئِ وَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى كِتَابَتِهِ لِأَنَّهُمَا مَعًا يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَبَ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ نِصْفِ كِتَابَتِهِ لَمْ يُعْتَقْ فَكَذَلِكَ إِذَا أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَهُوَ النِّصْفُ لَمْ يُعْتَقْ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ حَقِّهِ فَشَابَهَ الْأَبَ، إِذَا أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ كِتَابَتِهِ وَشَابَهَ إِبْرَاءَ الْأَبِ مِنْ بَعْضِ الْكِتَابَةِ أَنْ يُبْرِئَهُ الِابْنُ مِنْ بَعْضِ نَصِيبِهِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا أَعْتَقَ فَبَرِئَ أَوْ أُبْرِئَ فَعَتَقَ، فَفِي تَقْوِيمِ بَاقِيهِ عَلَى مُعْتِقِهِ وَمُبْرِئِهِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا قَوْلَانِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا، وَنَقَلَهُمَا الْمُزَنِيُّ إِلَى جَامِعِهِ الْكَبِيرِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي عَلَى كِتَابَتِهِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْعِتْقِ كَانَ مِنَ الْأَبِ، وَلِذَلِكَ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَالْوَارِثُ إِنَّمَا وَرِثَ الْمَالَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَصِيرَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ بِالْعَجْزِ، فَإِذَا أَبْرَأَ أَوْ أَعْتَقَ، كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَنْفِيذًا لِعِتْقِ الْأَبِ، وَتَعْجِيلًا لِمَا أَخَّرَهُ فَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَبِيهِ، وَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَى الْأَبِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ، فَعَلَى هَذَا تَعْتِقُ حِصَّةُ الْمُبَرِّئِ فِي حَالِ الْإِبْرَاءِ وَالْعِتْقِ، وَيَكُونُ نِصْفُهُ الْبَاقِي عَلَى كِتَابَتِهِ يُؤَدِّيهَا إِلَى الْأَخِ فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ نِصْفُهُ الْبَاقِي وَصَارَ جَمِيعُهُ حُرًّا وَوَلَاؤُهُ لِلْأَبِ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِمَا بِالْإِرْثِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ بَاقِي كِتَابَتِهِ، رَقَّ نِصْفُهُ، وَكَانَ مَلِكًا لِلْأَخِ، وَكَانَ وَلَاءُ نِصْفِهِ الْمُعْتَقِ لِلْأَبِ، وهل ينفرد به المعتق، أو يكون شركة بَيْنَهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَضَيَا:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ مُنْتَقِلٌ عَنِ الْأَبِ إِرْثًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمُعْتِقِ خَاصَّةً، لِأَنَّ أَخَاهُ قَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى مِلْكِ مِثْلِهِ لَوْ عَجَّلَ الْعِتْقَ، أَوِ الْإِبْرَاءِ فَلَمَّا اخْتَارَ رِقَّهُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالرِّقِّ وَيُشَارِكَ فِي الْوَلَاءِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْتِقِ بَاقِيهِ، لأنه يتعجيل الْعِتْقِ عَادِلٌ عَنْ عِتْقِ الْأَبِ فَصَارَ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا بِحُكْمِ سَرَايَتِهِ لِعِتْقِهِ وَيَسَارِهِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَتَعَجَّلُ بِسَرَايَةِ عِتْقِهِ فِي الْحَالِ، أَوْ تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْعَجْزِ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَتَعَجَّلُ السِّرَايَةُ لِطُرُوئِهَا عَلَى مَحَلٍّ يَسْرِي فِيهِ الْعِتْقُ، فَصَارَتْ كَالسِّرَايَةِ فِي عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى عَجْزِ الْمُكَاتَبِ، لِأَنَّ حَقَّ الْأَبِ فِي عِتْقِهِ وَمِلْكِ وَلَائِهِ أَسْبَقُ فَلَمْ يَجُزْ إِبْطَالُهُ إِلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قُلْنَا بِتَعْجِيلِ السِّرَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>