أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ هُوَ ثَوْبٌ مِنْ جُمْلَةِ الْخَمْسَةِ يُشَدُّ عَلَى صَدْرِهَا وَيُدْفَنُ مَعَهَا، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ ثَوْبٌ سَادِسٌ غَيْرُ الْخَمْسَةِ يُشَدُّ عَلَى صَدْرِهَا، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُحَلُّ عِنْدَ دفنها أم لا على وجهين؟ أحدهما يُحَلُّ عَنْهَا وَيُؤْخَذُ عِنْدَ دَفْنِهَا.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَمُؤْنَةُ الْمَيِّتِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ أَصْلِ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَوْلَى مِنْهُمْ بِنَفَقَتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى منه بمؤونته بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتُهُ إِذَا مَاتَ مُعْدِمًا لَزِمَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا، فَأَمَّا الزَّوْجَةُ إِذَا مَاتَتْ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نَفَقَتِهَا: فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ إِنَّهَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا فِي الْحَيَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، كَالْمُنَاسِبِينَ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة: إِنَّ مَؤُونَتَهَا وَاجِبَةٌ فِي تَرِكَتِهَا دُونَ زَوْجِهَا، لِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالنِّكَاحِ لِأَجْلِ التَّمَكُّنِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَبِمَوْتِهَا قَدِ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ، وَزَالَ التَّمَكُّنُ، فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ مُوجِبُهَا مِنَ النَّفَقَةِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُنَاسِبِينَ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْكَفَنِ هَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ أَوْ عَلَى مِلْكِ وَارِثِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَرَثَتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدِ انْتَقَلَ إِلَى مِلْكِ وَارِثِهِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ لما منع من ابتداء المالك مَنَعَ مِنَ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ.
فَصْلٌ
: أَمَّا إِذَا كُفِّنَ الْمَيِّتُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَدُفِنَ وَأَقْسَمَ الْوَرَثَةُ تَرِكَتَهُ ثُمَّ نُبِشَ وَسُرِقَتْ أَكْفَانُهُ وَتُرِكَ عريان فَالْمُسْتَحَبُّ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ ثَانِيَةً، وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ ثَانِيَةً لَلَزِمَهُمْ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَيُؤَدِّي إِلَى اسْتِيعَابِ التركة، وإذا الْخُرُوجِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا أَدَّى إِلَى هَذَا فغير لازم.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنِ اشْتَجَرُوا فِي الْكَفَنِ فَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ إِنْ كَانَ وَسَطًا لَا مُوسِرًا وَلَا مُقِلًّا وَمِنَ الْحَنُوطِ بِالْمَعْرُوفِ لَا سَرَفًا وَلَا تَقْصِيرًا ".