للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أبو يوسف وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ وَيَكُونُ فَيْئًا، فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مُسْلِمٍ حُوِّلَتْ إِلَى الْعُشْرِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعِهَا، وَلَا تَقَرُّ فِي يَدِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرٌ.

وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَرْضَ الْعُشْرِ لَا تَنْتَقِلُ إِلَى الْخَرَاجِ أَبَدًا فَإِنْ مَلَكَهَا ذِمِّيٌّ أَقَرَّتْ فِي يَدِهِ وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَلَكَهَا مُسْلِمٌ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَنْ زَرْعِهَا.

فَلَوْ أَجَّرَهَا الْمَالِكُ وَزَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ عُشْرُ زَرْعِهَا وَاجِبًا عَلَى الزَّارِعِ الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمُؤَجِّرِ الْمَالِكِ.

وَقَالَ أبو حنيفة الْعُشْرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَاوَضَ عَلَى الْأَرْضِ فَانْتَقَلَ الْحَقُّ إِلَيْهِ وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) {الأنعام: ١٤١) وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فيما سقت السماء العشر ".

لأن مَنْ مَلَكَ زَرعًا الْتَزَمَ عُشْرَهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَلِأَنَّ اعْتِيَاضَ الْمُؤَجِّرِ عَنْ مَنَافِعِ الْأَرْضِ لَا يُوجِبُ الْتِزَامَ حُقُوقِ الزَّرْعِ كَالنَّفَقَةِ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا أَرْضُ الْخَرَاجِ فَضَرْبَانِ خَرَاجٌ يَكُونُ جِزْيَةً، وَخَرَاجٌ يَكُونُ أُجْرَةً، فَالْخَرَاجُ الَّذِي يَكُونُ جِزْيَةً هُوَ مَا ضَرَبَهُ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَرْضِ أَهْلِ الْعَهْدِ مَعَ إِقْرَارِهَا عَلَى مِلْكِهِمْ فَهَذِهِ الْأَرْضُ إِنْ زَرَعَهَا أَهْلُ الْعَهْدِ وَجَبَ عَلَيْهِمِ الْخَرَاجُ دُونَ الْعُشْرِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا أَوِ انْتَقَلَتْ عَنْهُمْ إِلَى مُسْلِمٍ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي زَرْعِهَا وَسَقَطَت الْخَرَاجُ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ وَجَبَ الْخَرَاجُ عَلَيْهِمْ لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهَا، وَوَجَبَ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِمِلْكِهِ لِلزَّرْعِ، وَأَمَّا الْخَرَاجُ الذي يكون أجرة كأرض السواء الَّتِي ضَرَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهَا خَرَاجًا جَعَلَهُ إِمَّا ثَمَنًا وَإِمَّا أُجْرَةً عَلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ رِقَابِ الْأَرْضِ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا، فَإِنْ زَرَعَهَا مُسْلِمٌ هِيَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ الْحَقَّانِ الْخَرَاجُ عَنِ الرَّقَبَةِ وَالْعُشْرُ عَنِ الزَّرْعِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وحده دون العشر لأن لا يَجْتَمِعَ فِيهَا حَقَّانِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي إِيجَابِ الْحَقَّيْنِ مَعًا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ بِالْآخَرِ لَكَانَ الْعُشْرُ الْمُسْتَحَقُّ بِالنَّصِّ أَثْبَتَ وُجُوبًا مِنَ الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَنِ اجْتِهَادٍ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي اكْتِرَاءِ دابةٍ إِلَى موضعٍ أَوْ فِي كِرَائِهَا أَوْ فِي إِجَارَةِ الْأَرْضِ تَحَالَفَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَالزَّرْعِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَكَارِيَانِ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ أَوْ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ أَوْ فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ تَحَالَفَا كَمَا يَتَحَالَفُ الْمُتَبَايِعَانِ إِذَا اخْتَلَفَا، فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَيِّنَتِهِ تَعَارَضَتَا وَفِيهِمَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ البينتان ويتحالفان.

<<  <  ج: ص:  >  >>