قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو كَفُّ الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ مِنْ أَرْبَعَة أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَا كَامِلَتَيِ الْأَصَابِعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ تَكُونَا نَاقِصَتَيِ الْأَصَابِعِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ كَفُّ الْمَقْطُوعِ كَامِلَةً وكف القاطع ناقصة.
والرابع: أن يكون كَفُّ الْمَقْطُوعِ نَاقِصَةً وَكَفُّ الْقَاطِعِ كَامِلَةً، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَامِلَةِ بِالْكَامِلَةِ وَالنَّاقِصَةِ بِالنَّاقِصَةِ إِذَا كَانَ النَّقْصُ فِيهِمَا مُتَسَاوِيًا، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ وَيَدُ الْقَاطِعِ نَاقِصَةً أصبعا فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ كَفِّهِ النَّاقِصَةِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِيَةَ الْأُصْبُعِ الَّتِي نَقَصَتْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْتَصُّ مِنْ كَفِّهِ النَّاقِصَةِ بِكَفِّهِ الْكَامِلَةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأصْبع النَّاقِصَةِ، احْتِجَاجًا بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي قَوَدِ النُّفُوسِ نُقْصَانُ الْأَطْرَافِ لِدُخُولِهَا فِي النَّفْسِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي قِصَاصِ الْأَطْرَافِ مَا تَخَلَّلَهَا مِنْ نَقْصٍ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَخْذُ الشَّلَّاءِ بِالسَّلِيمَةِ إِذَا رَضِيَ بِهَا الْمَقْطُوعُ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِنَقْصِ الشَّلَلِ كَذَلِكَ أَخْذُ النَّاقِصَةِ بِالْكَامِلَةِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِأَرْشِ النَّقْصِ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُوجِبُ وَضْعَ السِّكِّينِ مِنَ القَاطِعِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ المَقْطُوعِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْكَفِّ النَّاقِصَةِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْحَقِّ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٣٦] وَالْمِثْلُ مِثْلَانِ: مِثْلٌ فِي الْخِلْقَةِ، وَمِثْلٌ فِي الْقِيمَةِ، وَلَيْسَتِ الْكَفُّ النَّاقِصَةُ مِثْلًا فِي الْخِلْقَةِ وَلَا مِثْلًا فِي الْقِيمَةِ فَلَمْ تُكَافِئْ مَا فُضِّلَتْ عَنْهَا فِي الْخِلْقَةِ وَالْقِيمَةِ، وَإِذَا عُدِمَ مِثْلُ الْخِلْقَةِ فِي النَّاقِصَةِ أَوْجَبَ الْعُدُولَ إِلَى مِثْلِهَا فِي الْقِيمَةِ وَهِيَ الدِّيَةُ، وَلِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ أُخِذَ قَوَدًا إِذَا كَانَ مَوْجُودًا أُخِذَتْ دِيَتُهُ إِذَا كَانَ مَفْقُودًا كَمَا لَوْ قُطِعَ أَصَابِعُهُ وَكَانَ لِلْقَاطِعِ بَعْضُهَا، وَلِأَنَّ الْمَقْطُوعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ فَلَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ نُقْصَانُ كَفِّهِ فِي نُقْصَانِ الدِّيَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ نُقْصَانُهَا فِي نُقْصَانِ الْقِصَاصِ.
فَأَمَّا جَمْعُهُ بَيْنَ النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ بِالشَّلَلِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الشَّلَّاءَ تَامَّةُ الْأَصَابِعِ نَاقِصَةُ الْمَنَافِعِ، وَهَذِهِ نَاقِصَةُ الْأَصَابِعِ وَالْمَنَافِعِ فَافْتَرَقَا، وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ بِوَضْعِ السِّكِّينِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ المَقْطُوعِ فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْوَضْعِ فَقَدِ اخْتَلَفَا فِي التَّمَامِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يستوفي الناقص بالتام.
[(فصل)]
وإن كان كَفُّ الْمَقْطُوعِ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ وَكَفُّ الْقَاطِعِ كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْ كَفِّهِ الْكَامِلَةِ بِكَفٍّ نَاقِصَةٍ، وَيُلْزِمْ أَبَا حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا كَمَا قَالَهُ فِي نُقْصَانِ كَفِّ الْقَاطِعِ وَكَمَالِ كَفِّ الْمَقْطُوعِ، فَإِنْ قَالَهُ فَقَدْ جَرَى فِيهِمَا عَلَى قِيَاسٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute