(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْفُرُوعُ الَّتِي لَيْسَتْ بِأُصُولٍ، فَالْخِلَافُ فِيهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي الْأَدَاءِ.
وَالثَّانِي: فِي الْأَحْكَامِ.
فَأَمَّا الْخِلَافُ فِي الْأَدَاءِ الْمُنْتَحِلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: مَا اعْتَقَدَ بِهِ تَكْفِيرَ مُخَالِفِهِ وَاسْتِبَاحَةَ مَالِهِ وَدَمِهِ. كَمَنْ يَرَى مِنَ الْخَوَارِجِ، بِمُوالَاتِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَكْفِيرَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ. وَكَالْغُلَاةِ يَرَوْنَ بِمُعْتَقَدِهِمْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، تكفير جميع الأمة.
يرى الْفَرِيقَانِ: بِهَذَا الْمُعْتَقَدِ أَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارُ إِبَاحَةٍ فِي قَتْلِ رِجَالِهَا وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهَا وَغَنِيمَةِ أَمْوَالِهَا. فَيُحْكَمُ بِكُفْرِ مَنْ هَذَا اعْتِقَادُهُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِتَكْفِيرِهِمُ السَّوَادَ الْأَعْظَمَ الْمُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْإِسْلَامِ وَدُرُوسِهِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً مِنْهَا وَاحِدَةٌ نَاجِيَةٌ. قِيلَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ".
وَالثَّانِي: اسْتِبَاحَتُهُمْ لِدَارٍ حَرَّمَ الشَّرْعُ نُفُوسَ أَهْلِهَا وَأَمْوَالَهُمْ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ وَمَا فِيهَا وَأَبَاحَتْ دَارُ الشِّرْكِ وَمَا فِيهَا ".
وَقَالَ يَوْمَ النَّحْرِ كَلَامًا شَهِدَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ: " أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ".
فَكَانُوا أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْعَدَالَةِ وَأَوْلَاهُمْ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ.
( [شَهَادَةُ مُعْتَقِدِ كُفْرِ مُخَالِفِهِ] )
(فَصْلٌ)
: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ يَعْتَقِدُ تَكْفِيرَ مُخَالِفِهِ وَلَا يَرَى اسْتِبَاحَةَ دَمِهِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ تَعَرَّضَ بِعَرْضٍ بِرَأْيِهِ لِتَكْفِيرِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ حُكِمَ بِكُفْرِهِ، لِرَدِّهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: ١٨] وَرَدِّهِ عَلَى رَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ "
وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " فَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُمْ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِكُفْرِهِمْ.
وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِتَكْفِيرِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَاعْتَقَدُوا فِيهِمُ الْإِيمَانَ، وَتَفَرَّدُوا بِتَكْفِيرِ أَهْلِ عَصْرِهِمْ فَهُمْ أَهْلُ ضَلَالٍ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِمْ دُونَ كُفْرِهِمْ، فَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُمْ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِالْفِسْقِ دُونَ الْكُفْرِ.