وَالثَّانِي: أَنَّ مَا تَبَعَّضَ كَانَ مُعْتَبَرًا بِحَالِ الْوُجُوبِ كَالْحُدُودِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ أَنَّهَا تَعْتَدُّ فِيهَا عِدَّةَ حُرَّةٍ اعْتِبَارًا بِالِانْتِهَاءِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا اخْتَلَفَ بِهِ الْعِدَّةُ كَانَ مُعْتَبَرًا بِالِانْتِهَاءِ دُونَ الِابْتِدَاءِ كَالشُّهُورِ وَالْأَقْرَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِلْعِدَّةِ أَوْلَى مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِلْمُعْتَدَّةِ كَالْمُسْتَرِيبَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عِدَّةَ أَمَةٍ وَفِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ عِدَّةَ حُرَّةٍ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَائِنَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ يَقْطَعُ التَّوَارُثَ وَسُقُوطَ النَّفَقَةِ، وَالرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ لِاسْتِحْقَاقِ التَّوَارُثِ، وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ فَافْتَرَقَا فِي الْعِدَّةِ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَتِ الرَّجْعِيَّةُ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ إِلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَمْ تَنْتَقِلْ إِلَيْهَا الْبَائِنُ وَجَبَ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ عِدَّةِ الرِّقِّ إِلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَلَا تَنْتَقِلُ إِلَيْهَا الْبَائِنُ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي: " وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَتُكْمِلُ مِنْهُ الْعِدَّةَ مِنَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي عَبْدٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، وَهِيَ أَمَةٌ فَتُعْتَقُ بَعْدَ طَلَاقِهِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَخْلُو طَلَاقُهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَإِنْ كَانَ بَائِنًا، فَقَدْ وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ الْبَائِنَةُ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعِتْقِ لِارْتِفَاعِهِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ فَسَخَتْ لَمْ يَكُنْ لِفَسْخِهَا تَأْثِيرٌ وَقَدْ كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ عِدَّتِهَا أَمَةً، وَصَارَتْ فِي انْتِهَائِهَا حُرَّةً، فَهَلْ تُبْنَى عَلَى عِدَّةِ أَمَةٍ أَمْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا فَلَهَا بِالْعِتْقِ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَهُ وَحُكْمُ الزَّوْجِيَّةِ جَارٍ عَلَيْهَا بِالرَّجْعَةِ فَلِذَلِكَ جَازَ لَهَا الْفَسْخُ بِخِلَافِ الْبَائِنِ، وَهِيَ فِيهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَعْجِيلِهِ وَبَيْنَ تَأْخِيرِهِ فَإِنْ أَرَادَتْ تَعْجِيلَهُ كَانَ لَهَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِالطَّلَاقِ جَارِيَةٌ فِي فَسْخٍ فَلَمْ يُنَافِ الْفَسْخَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَسْتَفِيدُ بِهِ قُصُورَ إِحْدَى الْعِدَّتَيْنِ، فَإِذَا فَسَخَتْ، فَهَلْ يَكُونُ فَسْخُهَا قَاطِعًا لِرَجْعَةِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَقْطَعُ رَجْعَةَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ طَلَاقِهِ، فَعَلَى هَذَا إن راجع الزوج وقعت الفرقة بالفسخ فدون الطَّلَاقِ فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ عِدَّتِهَا مِنْ وَقْتِ الْفَسْخِ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ؛ لِأَنَّهَا بَدَأَتْ بِالْعِدَّةِ وَهِيَ حُرَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يُرَاجِعِ الزَّوْجُ فَالْفُرْقَةُ وَقَعَتْ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْفَسْخِ فَيَكُونُ أَوَّلُ عِدَّتِهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ بَدَأَتْ بِهَا وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ صَارَتْ فِي