[مسألة]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " (وَمِنْهَا) فِي الْحَيَاةِ الْهِبَاتُ وَالصَّدَقَاتُ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَهُ إِبْطَالُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنْ قَبَضَهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بِأَمْرِهِ فَهِيَ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْأَوْقَافِ وَسَنَذْكُرُ أَحْكَامَ الْهِبَاتِ وَهِيَ مِنَ الْعَطَايَا الْجَائِزَةِ بِدَلِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) {المائدة: ٢) وَالْهِبَةُ بِرٌّ وَقَالَ {وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ) {البقرة: ١٧٧) الْآيَةَ يَعْنِي بِهِ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَلَوْ دُعِيتُ إِلَى كراعٍ لَأَجَبْتُ " وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تَهَادُوا تَحَابُّوا " وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " إِنَّنَا نَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَنُكَافِئُ عَلَيْهَا " وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَتِهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْهَدِيَّةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّهُ اهْتَدَى بِهَا إِلَى الْخَيْرِ وَالتَّآلُفِ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا تَقَرَّرَ إِبَاحَةُ الْهِبَةِ بِمَا ذَكَرْنَا فَتَكُونُ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ بِمَوْهُوبٍ وَوَاهِبٍ وَمَوْهُوبٍ لَهُ وَعَقْدٍ وَقَبْضٍ.
وَأَمَّا الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ فَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ صَحَّ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ، وَذَلِكَ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَوْصَافٍ أَنْ يكون مملوكاً وإن كان غير مملوكاً مِنْ وَقْفٍ أَوْ طَلْقٍ لَمْ يَجُزْ وَأَنْ يكون معلوماً عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَوْصَافٍ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ مِنْ وَقْفٍ أَوْ طَلْقٍ لَمْ يَجُزْ وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَمْ يَجُزْ، وَأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا، فَإِنْ كان غائباً لم يجز لا يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ مِلْكِهِ مَانِعٌ، فَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ كَالْمَرْهُونِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَجُزْ فَهَذَا حُكْمُ الْمَوْهُوبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحُوزِ والمشاع سواء كان مما ينقسم ولا يَنْقَسِمُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: هِبَةُ الْمُشَاعِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ جَائِزَةٌ وَالْمُشَاعُ الَّذِي يَنْقَسِمُ بَاطِلَةٌ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) {النساء: ٤) وَلِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ كَالْمَحُوزِ.
: وَأَمَّا الْوَاهِبُ فَهُوَ كُلُّ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالِكٍ كَالْغَاصِبِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ مَالِكًا عَنْهُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ كَالسَّفِيهِ وَالْمُولَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ.
: وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَهُوَ مَنْ صَحَّ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالْمِلْكِ صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَوْهُوبًا لَهُ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَرَشِيدٍ فَأَمَّا مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالْمِلْكِ كالحمل والبهيمة ولا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْهُوبًا لَهُ، فَأَمَّا الْعَبْدُ ففي صحة كونه موهوباً قَوْلَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ هَلْ يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ أَمْ لَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute