وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ عَتَقُوا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ الَّذِي مَلَكَهُمْ بِهِ لِيَكُونَ بِالْعَقْدِ مَالِكًا، وَبِالْمِلْكِ مُعْتِقًا، لِأَنَّ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَلِإِزَالَتِهِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، لِتَنَافِيهِمَا، فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَفِي ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ: هَلْ يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ أَوْ بِنَفْسِ الْخِيَارِ.
أَحَدُهُمَا: لَا خِيَارَ لَهُ إِذَا جُعِلَ مَالِكًا بِالْعَقْدِ، فَإِنِ اخْتَارَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ انْتَقَضَ بِهِ الْعِتْقُ، وَإِنِ اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ اسْتَقَرَّ الْعِتْقُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْخِيَارُ إِذَا جُعِلَ مَالِكًا بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ، وَيَكُونُ خِيَارُهُ مُسْتَحَقًّا وَلَهُ الْفَسْخُ بِهِ مَا لَمْ يَخْتَرِ الْبَائِعُ الْإِمْضَاءَ، فَإِذَا اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي، وَكَانَ إِمْضَاءُ الْبَائِعِ قَطْعًا لِخِيَارِهِ وَخِيَارِ الْمُشْتَرِي.
فَصْلٌ
وَإِذَا وُهِبَ لَهُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْقَبْضِ مَالِكًا.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْهِبَةَ تُوجِبُ الْمُكَافَأَةُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا، وَكَانَ فِي الْقَبُولِ مُخَيَّرًا
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمُكَافَأَةَ لَا تَجِبُ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ لِيَعْتِقَ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ مَأْخُوذٌ بِحَقِّهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شِئْتَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَشَاءَ لِيُعْتَقَ بِالْمَشِيئَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ، لِمَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ مِنْ حُقُوقٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ، أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شِئْتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَشَاءَ، وَكَانَ فِي الْمَشِيئَةِ مُخَيَّرًا.
وَإِذَا وَصَّى لَهُ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ فِي قَبُولِ الْوَصِيَّةِ مُكَافَأَةٌ، وَفِي وُجُوبِ قَبُولِهَا وَجْهَانِ عَلَى مَا مَضَى.
فَصْلٌ
فَإِذَا ابْتَاعَ فِي مَرَضِهِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ كَانَ ثَمَنُهُ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ كَعِتْقِهِ فِي مَرَضِهِ، فَإِنِ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ مَعَ الِابْتِيَاعِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَوْرِيثِهِ، فَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَجُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُورَثُ، لِأَنَّ عِتْقَهُ لَمَّا اعْتُبِرَ مِنَ الثُّلُثِ كَانَ وَصِيَّةً لَهُ، وَلَا تَجْتَمِعُ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم أبو الحسين بْنُ اللَّبَّانِ الْفَرَضِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُورَثُ، لِأَنَّ المعتبر من الثلث من هُوَ الثَّمَنُ، وَهُوَ حَقٌّ لِلْبَائِعِ، فَخَرَجَ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً لِهَذَا الْمُعْتِقِ، فَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ ثَمَنِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: